الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } * { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }

{ وَ } من شدة بطره وخيلانه: { دَخَلَ } يوماً { جَنَّتَهُ } التي ذكر وصفها { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } بعرضها على عذاب الله وأنواع عقابه بكفره بالله، وبطره بحطام الدنيا، وإعجابه على نفسه اتكالاً على ثروته وجاهه وكثرة أعوانه وأنصاره { قَالَ } من طول أمله وحرصه وشدة غروره وغفلته: { مَآ أَظُنُّ } بل ما أشك وأوهم { أَن تَبِيدَ } أي: تنهدم وتنعدم { هَـٰذِهِ } الجنة { أَبَداً } [الكهف: 35] بل هي على هذا القرار والنضارة دائماً.

{ وَ } أيضاً { مَآ أَظُنُّ } وأعتقد { ٱلسَّاعَةَ } الموعودة التي أخبر بها أصحاب الدعاوي من الأنبياء والرسل { قَائِمَةً } آتيةٌ البتة بلا تردد وشك حتى تنهدم وتنعدم هذه بانعدام العالم وانقراضها { وَلَئِن رُّدِدتُّ } هبني أن فرضتُ وقدّرتُ قيام الساعة وانقضاء النشأة الدنياوية على ما زعموا وبُعثتُ من قبري على الوجه الذي ادعو وَرُددتُ { إِلَىٰ رَبِّي } للحساب والجزاء وعرض الأعمال وتنقيدها { لأَجِدَنَّ } ألبتة جنةً في العقبى { خَيْراً مِّنْهَا } أي: من هذه الديناوية فآخذُها { مُنْقَلَباً } [الكهف: 36] أي: مرجعاً ومنزلاً كما أخذتُ هذه في الدنيا، وإنما يقول ذلك على سبيل الاستهزاء والاستخفاف، يعني: إني حقيق حريُ بتلك المرتبة في الدنيا والآخرة، إن فُرض وجودها، فأنا حري بذلك فيها أيضاً.

ثم لما تمادى في المباهاة والمفاخرة، وتطاول كلامه في الغفلة والغرور والإنكار على الله وكمال قدرته وقوته، وسرعة نفوذ قضائه وحكمه المبرم متى تعلق إرادته { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ } المؤمن { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } على سبيل العظة والتذكير وأنواع التسفيه والتعبير: { أَكَفَرْتَ } وأنكرتَ أيها المفسد الطاغي { بِٱلَّذِي خَلَقَكَ } أي: قدّر أولاً مادتك { مِن تُرَابٍ } خسيسٍ مزدولٍ إلى أن صرتَ بكثرة التبدلات والتغييرات نطفةٌ مهينةٌ { ثُمَّ } قدّرها ثانياً { مِن نُّطْفَةٍ } دنيئةٍ يستحقرها بل يستخبثها جميع الطباع { ثُمَّ سَوَّاكَ } منها وعد لك شخصاً سوياً سالماً وربَّاك بأنواع اللطف والكرم إلى أن صرتَ { رَجُلاً } [الكهف: 37] رشيداً عاقلاً بالغاً كافلاً للأمور والوقائع، كافياً لإحداث الغرائب والبدائع، وافياً في جميع المضارّ والمنافع.

ثم كلفك بالإيمان والمعرفة والإتيان بالأعمال الصالحة والإذعان بالنشأة الأخرى، وما يترتب عليها من العرض والحساب والسؤال والجزاء وجميع المتعقدات الأخروية، فاستنكرتَ واستكبرت إلى أن كفرتَ عناداً ومكابرةً، فستعرف حالك فيها أيها الطاغي الباغي المستحقُ لأنواع العذاب والعقاب { لَّٰكِنَّاْ } أي: لكن أنا لا أكفر وأنكر مثلك ربي الذي أظهرني من كتم العدم ولم ألك شيئاً مذكوراً، وقدّر مادتي من التراب الأدنى والأرذل من المني الأخس الأنزل، ثم عدَّلني وسواني رجلاً رشيداً كاملاً في العقل الرشد؛ لأعرف ذاته فأعبده، وأشكر نعمه، وأؤدي حقوق كرمه، وأتوجه نحوه، وأتضرع إليه، وأصدق رسله وكتبه وجميع ما فيها من الأمور والنواهي والمعتقدات التي وجب الاعتقاد بها من الأمور المتعلقة بالنشأة الأولى والأخرى.

فكيف أنكره وأكفر بنعمه وأنسى حقوق لطفه وكرمه؛ إذ { هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي } وربُّ جميع من في حيطة الوجود من الأظلال والعكوس، وهو المستقل في الوجود والألوهية والربوبية، وهو المتوحد المتفرد بالقيومية والديمومية { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي } الذي ربَّاني بأنواع اللطف والكرم { أَحَداً } [الكهف: 38] سواه؛ إذ لا شيء في الوجود إلا هو.

السابقالتالي
2 3