الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } * { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } * { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }

فقال سبحانه مؤدباً له مقرعاً: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } أي: إن التمس قرشيُ من إبعاد الفقراء، وبالغوا في طردهم وذبّهم عن صحيتك، لا تُجبهم ولا تُنجح مطلوبهم، بل اصبر ووطّن نفسك المائلة إلى غنائهم وصفاء زيّهم ولباسهم { مَعَ } الفقراء { ٱلَّذِينَ } شأنهم أنهم { يَدْعُونَ } ويعيدون { رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } أي: طرفي النهار وما بينهما { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ويتوجهون نحوه مخلصين بلا ميلٍ منهم إلى الهوى ومزخرفات الدنيا مع غاية فقرهم وفاقتهم { وَلاَ تَعْدُ } أي: لا تملِ ولا تُصرف { عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } لرثاثة حالهم وخلقِ ثيابهم إلى الأغنياء وزّيهم البهيّ حال كونك { تُرِيدُ } وتقصد { زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بالالتفات إليهم، والميل إلى مصاحبتهم ومجالستهم، والركون إلى جاههم وثروتهم { وَلاَ تُطِعْ } ولا تنفق معهم في طرد الفقراء بمجرد ميلك إيمانك أولئك الأغنياء البعداء عن روح الله ورحمته، ولا تلتفت التفاتَ متحننٍ متشوقٍ إلى { مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ } وختمنا عليه بالإعراض { عَن ذِكْرِنَا } ختماً لا يرتفع عنه أصلاً { وَ } لذا صار من العتو والعناد إلى أن { ٱتَّبَعَ هَوَاهُ } واتخذه إلهاً، واجتنب عن مولاه وبنذه وراءة { وَكَانَ أَمْرُهُ } في الاتباع والاتخاذ { فُرُطاً } [الكهف: 28] ميلاً وتقدماً نحو الباطل، وإعراضاً عن الحق ونبذاً له وراءه ظهرياً.

{ وَقُلِ } على سبيل المثال الإرشاد والتبليغ بلا مراعاةٍ ومداهنةٍ { ٱلْحَقُّ } الصريحُ الصحيحُ الثابتُ ما نزل ونشأ { مِن رَّبِّكُمْ } الذي أنشأكم وأظهركم من كتم العدم وأصلح حالَكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وبلّغْ ما أوحي إليك بلا تبديلٍ وتغييرٍ؛ إذ ما عليك إلا البلاغ والتبليغ { فَمَن شَآءَ } منهم الفوز والفلاح { فَلْيُؤْمِن } بالله وكتب ورسله على مقتضى ما بلغَّتَ { وَمَن شَآءَ } منهم الوبالَ والنكالَ في الداري { فَلْيَكْفُرْ } فاعلم أنه سبحانه لا يبالي بكفرهم وإيانهم؛ إذ هو منزهُ عن إيمان عباده وكفرهم.

ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والتنبيه: { إِنَّا } من مقام علدنا وقهرنا من أعرض عنا من عبادنا وانصرف عن مقتضى أوامرنا ونواهينا { أَعْتَدْنَا } وهيأنا سبيما { لِلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضيات أحكامنا { نَاراً } ذاتتَ التهابٍ واشتعالٍ إلى حيث { أَحَاطَ } أي: احتوى واشتمل { بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي: لهبُها التي هي كالفسطاط في الإحاطة والشمول، والفسطاطُ: المتخذُ من الشعر { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } من شدة العطش ونهاية حرقة الكبد والزفرة { يُغَاثُواْ } ويُجابوا { بِمَآءٍ } في اللون { كَٱلْمُهْلِ } وهو الحديدُ المذابُ، وفي الحرارة إلى حيث { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } ويحرقها وقتَ تقريبه إلى الفم للشرب.

وبالجملة: { بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } شرابُ المهل { وَسَآءَتْ } جهنم وأوديتها المملوءة بنيران الحرمان والخذلان { مُرْتَفَقاً } [الكهف: 29] منزلاً ومسكناً، تسكنون فيها أبداً مخلداً.

ثم اتبع سبحانه الوعيد بالوعد على مقتضى سنته المستمرة، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة ذاتنا وكمال أوصافنا وأسمائنا، وبإرسالنا الرسل، وإنزالنا الكتب المبينة الموضحة لأحكامنا الصادر منا على مقتضى الأزمان والأدوار { وَ } مع الإيمان والإذعان { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورةِ لهم في الكتب وألسنة الرسل، واجتنبوا عما نهيناهم عنها، فجزاؤهم علينا نجازيهم ونضاعف لهم بأضعاف ما يستحقون بأعمالهم وإخلاصهم فيها { إِنَّا } من مقام فضلنا وجودنا { لاَ نُضِيعُ } ونهمل { أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [الكهف: 30] وأخلص نيةً، وأتم قصداً وأكلم عزيمةً.

السابقالتالي
2