الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

أعَجِبْتَ واستبعدت عن كمال قوتنا وقدرتنا بجعل ما على الأرض صعيداً جرزاً؟ { أَمْ حَسِبْتَ } وشككت { أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ } أي: قصتهم وشأنهم. والكهف هو: الغار الواسع في الجبل. { وَٱلرَّقِيمِ } هو اسم الجبل الذي فيه الغار، أو اسم الوادي الذي فيه، أو اسم قريتهم، أو كلبهم، أو لوحُ رصاصي أو حجريُ، رُقِمَ أو رُقِمت فيه أسماؤهم وجُعل على باب الكهف، أو أصحابُ الرقيم قومُ آخرون على اختلاف الأقوال والروايات.

وبالجملة: { كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا } الدالة على كمال قوتنا وقدرتنا { عَجَباً } [الكهف: 9] أي: آيةً يتعجب منها الناس، ويستبعدون وقوعها مع أنه لا شك في وقوعها؛ إذ بلغت من التواتر حداً لا يتوهم فيها الكذب قطعاً؛ إذ أمثال هذا في جنب قدرتنا الكاملة وقوتنا الشاملة سهلُ يسير.

ولو رفعتَ أيها المعتبر المتأمل الإلْفَ والعادة عن البين، وطرحتَ تكرر المشاهدة والمؤانسة عن العين، لكان ظهور كل ذرةٍ من ذرائر العالم في التعجب والاستعباد وكمال الغرابة البداعة مثل هذا، بل أغرب وأعجب من هذا، فلك أن تراجع وجدانك وتتأمل أمرك وشأنك حتى تجد في نفسك عجائب وغرائب يدهش منها عقلك وينحسر رأيك وفهمك ويكلّ إدراكك، وبالجملة: استغرقتَ في بحر الحيرة والدهشة من نفسك فكيف من غيرك.

أذقنا بلطفك حلاوة مطالعة مبدعاتك ومشاهدة مخترعاتك بنظر العبرة والحضور.

اذكر يا أكمل الرسل قصة أصحاب الكهف وقت { إِذْ أَوَى } أي: التجأ ورجع { ٱلْفِتْيَةُ } الخمسة أو السبعة أو الثمانية من أشراف الروم ورؤسائهم، دعاهم ملكهم دقيانوس إلى الشرك، وهم موحّدون في أفسهم، فأبَوا وهربوا منه { إِلَى ٱلْكَهْفِ } ملتجئين { فَقَالُواْ } مناجين مستغيثين من الله: { رَبَّنَآ } يا من ربَّانا بأنواع اللطف الكرم وفقّنا بشرف توحيدك وتقديسك { آتِنَا } بفظلك وجودك { مِن لَّدُنكَ } لا بسبب أعمالنا ومتقضياتها { رَحْمَةً } تنجينا عن يد عدونا وعذابه، وعن وبال ما دعانا إليه من الكفر والعصيان { وَهَيِّىءْ لَنَا } أسباب معاشنا حين كنا فارّين من العدو وملتجئين إليك، مستعيذين بكنفك وجورك ووفق علينا { مِنْ أَمْرِنَا } الذي نعمل لمرضاتك ولوجهك الكريم { رَشَداً } [الكهف: 10] أي: هدايةً توصلنا إلى زلال توحيدك آمنين فائزين بلا خوفٍ وخطرٍ، فاستجبنا لهم مناجاتهم وأعطيناهم حاجاتههم.

وبعدما دخلوا الكهف ملتجئين بنا متضرعين { فَضَرَبْنَا } وختمنا { عَلَىٰ آذَانِهِمْ } حين كانوا راقدين { فِي ٱلْكَهْفِ } حجاباً غليظاً يمنعهم سماع الأصوات ملطقاً وأنمناهم على هذا الوجه { سِنِينَ عَدَداً } [الكهف: 11] بلا طعامٍ ولا شرابٍ ولا شيءٍ من أسباب المعاش، وهم أحياء في صور الأموات، منقطعين عن لوازم الحياة مطلقاً سوى الأنفاس تجيء وتذهب.

{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } وأيقظناهم من منامهم بعثَ الموتى للحشر { لِنَعْلَمَ } أي: نجرّب ونميّز { أَيُّ الحِزْبَيْنِ } المختلفين بعدما اختلفوا في مدة لبثهم { أَحْصَىٰ } أي: أضبط وأحفظ { لِمَا لَبِثُواْ } من المدة { أَمَداً } [الكهف: 12] يعني: أيهم أحفظ ضبطاً لمدة رقودهم في الكهف، فكلا الفريقين.

السابقالتالي
2