الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } * { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } * { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً }

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ) نزه سبحاه ذاته بما يجب تنزهه عنه في حضرة علمه، وأيهم اسمه على مقتضى تعاليه وترفعه عن أفهام عبداه عن إخراج العبد من ظلمة الإمكان الذي هو الليل الحقيقي إكلى نور الوجوب الذي هو النهار الحقيقي { بِعَبْدِهِ } يعني: حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما أخلع عنه كسوة ناسوته، وألبسه خلعة لاهوته، بحيث تجرد عن مقتضيات بشريته مطلقاً، وارتفعت عنه حجب تعيناته جملةً، وانكشفت سدل الغفلة والغشاوات عن بصيرته وبصره.

وحينئذٍ انطوت المسافات مطلقاً { لَيْلاً } أي: في قطعةٍ منه، صرح به، وإن كان الإسراء في اللغة عبارة عن السير في الليل. ليُعلم أن ابتداؤه وانتهاؤه كان فيه { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الذي حُرمت ما أبيحت في الأماكن الأخر من الصيد وغنيره، ألا وهو قلب الإنسان الكامل الذي هو بيت الله الأعظم حقيقةً؛ إذ حرمت فيه التوجه إلى الغير والسّوى مطلقاً، وإن كان مبنياً في بقعة جسدانية إمكانية { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } أي: كثَّرنا فيه الخير والبركة على زوارها وساكنيها، ألا وهو البيت المعمور الأبدي الأزلي الذي هو الوجود المطلق، المفيض على كافة المظاهر وحواليه عبارةً عن مقتضيات الأوصاف والأسماء الإلهية، وزوارها استعدادات المظاهر وقابلياتها المستفيدة منها، الناشئةُ عن أضلال أوصافها.

وإنما أسريناه { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } الدالة على كمال قدرتنا وحكمتنا، ووفور جودنا وكرامتنا { إِنَّهُ } بعد تجرده عن جلباب تعيينه وهويته { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } بسمعنا، فيسمع بنا منا { ٱلبَصِيرُ } [الإسراء: 1] ببصرنا، فيبصر ببصرنا عجائب صنعنا، وغرائر مبدعاتنا.

{ وَ } كما أيّدنا حبيبنا بما أيدناه من الإسراء به، وإراءة عجائب صنعنا وقدرتنا إياه، بأن أسريناه من مكة في ساعةٍ إلى بيت المقدس، ثمَّ فيها إلى فوق السماوات السبع، ومثَّلنا له أرواح الأنبياء والأولياء، فتكلم معهم، ثمَّ منها إلى ما شاء الله، وأخبر عنه سبحانه بقوله:ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 8-9]، وسمع كلاماً لا من جنس الأصوات والحروف.

كذلك { آتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } تأييداً له، وتنفيذاً لأمرنا إلى أن خصصناه بتكليمنا إياه، وكرمناه بأنواع الكرامات { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } أي: هادياً لهم، يهديهم إلى توحيدنا، وتقديس ذاتنا عن الأشباه والأنداد، وأمرناهم فيه { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ } أيها المتحيرون في الأمور والوقائع { مِن دُونِي وَكِيلاً } [الإسراء: 2] أي: شريكاً لي، وكفؤاً تتكلون إليه في أموركم غيري؛ إذ ليس في الوجود سواي، فعليكم أن تتخذوني وكيلاً، وتفوضوا أموركم كلها إليّ؛ إذ لا معبود لكم غيري.

{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا } بمقتضى جودنا { مَعَ نُوحٍ } حين استولى الطرفان على وجه الأرض، فهلك من عليها إلاَّ مَن آمن لنوح، ودخل معه في السفينة، فأنجيناه أصالةً، ومع معه تبعاً { إِنَّهُ } يعني: نوحاً { كَانَ عَبْداً شَكُوراً } [الإسراء: 3] مبالغاً في أداء الشكر، مواظباً عليه وجه الخضوع والخشوع، فلكم أن تقتفوا أثر أسلافكم الذين هم أصحاب سفينة نوح عليه السلام، وهم مؤمنون مصدقون له، ولكم أن تؤمنوا بمن أُرسل إليكم لإصلاح أحوالكم، وتصدقوا كتابه.

السابقالتالي
2