الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } * { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ }

وكيف تستبعدون أيها المنكرون أمثال هذا عن كمال قدرتنا وعلمنا وإرادتنا { إِنَّمَا قَوْلُنَا } وحكمنا حين تعلق إرادتنا { لِشَيْءٍ } أي: الإظهار شيء من الأشياء المثبتة في لوح قضائنا، وحضرة علمنا، أي: شيء كان عظيماً أو حقيراً { إِذَآ أَرَدْنَاهُ } أن يوجد ويتحقق في عالم الشهادة { أَن نَّقُولَ لَهُ } على مقتضى صفتنا القديمة التي هي الكلام، فارضين وجوده وتحققه؛ إذ هو عدم صرف، ولا شيء محض: { كُنْ } كالمكونات الأخر { فَيَكُونُ } [النحل: 40] بلا تراخ ومهلة وامتداد ساعة ولحظة، بل التلفظ بحرف التعقيب بين الأمر الوجودي الإلهي، وحصول المأمور المراد له سبحانه، إنما هو من ضيق العطف وضرورة التعبير، وإلاَّ فلا ترتب بينهما إلاَّ وهماً؛ إذ الترتب إنما يحصل من توهم الزمان والآن، وعنده سبحانه لا زمان ولا مكان، بل له شأن لا يسع في زمان ومكان.

ثمَّ أشار سبحانه إلى علو درجة المؤمنين، وارتفاع شأنهم، ورفعة قدرهم مكانهم، فقال: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ } عن بقعة الإمكان، حال كونهم سائرين { فِي } سبيل { ٱللَّهِ } بعدما حصل لهم مرتبة التمكن والاطمئنان { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } بتسلط الأمارة عليهم زماناً { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } ونمكنهم { فِي ٱلدُّنْيَا } أي: في نشاـهم الأولى { حَسَنَةً } أي: حصة كاملة، وحظّاً وافراً من المعارف والحقائق إلى حيث انخلعوا عن اللوازم البشرية بالمرة، وماتوا عن أوصاف البهيمية إرادةً واختياراً { وَ } مع ذلك { لأَجْرُ ٱلآخِرَةِ } المعدة لرفع الحجب، وكشف الغطاء واسدل { أَكْبَرُ } قدراً، وأعظم شأناً، وأعمل لذةً { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [النحل: 41] ويفهمون لذته بالذوق لمالوا إليه زيادة ميل، واجتهدوا نحوه زيادة اجتهاد، رزقنا الله الوصول إليه، والحصول دونه، وأذاقنا لذاته.

وأيضاً { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على ما أصابهم من المصيبات والبليات، مسترجعين إلى الله في جميع الحالات { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي: لا على غيره من الوسائل والأسباب { يَتَوَكَّلُونَ } [النحل: 42] في جميع شئونهم وتطوراتهم.

{ وَ } كيف يستبعدون رسالتك يا أكمل الرسل أولئك المشركون المعاندون؛ إذ { مَآ أَرْسَلْنَا } للرسالة العامة رسلاً { مِن قَبْلِكَ } مبشرين ومنذرين { إِلاَّ رِجَالاً } أمثالك { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } شعائر الدين والإيمان، وننزل عليهم الكتب المبينة لأحكامها، فإن لم يقبلوا منك، ولم يعتقدوا صدقك، فقل لهم: { فَٱسْأَلُواْ } أيها المكابرون المعاندون، الجاهلون بحال من مضي من الأنبياء { أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } والعلم منكم، وهم الأحبار والقسيسون { إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] صدقه ومطابقته للواقع.

وكما أيدنا الرسل والأنبياء الماضين { بِٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحة { وَٱلزُّبُرِ } اللائحة ترويجاً لما جاءوا به، وأرسلوا معه؛ ليبينوا ويوضحوا بها أحكام أديانهم { وَ } كذلك أيضاً { أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل { ٱلذِّكْرَ } أي: الكتاب المعجز المشتمل على شعائر الإسلام وأحكامه { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ } المتوغلين في الغفلة والنسيان { مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } من عند ربهم على مقتضى إزمانهم وأطوارهم من الأوامر والنواهي، والآداب والأخلاق { وَلَعَلَّهُمْ } بعد تبليغك إياهم، وتبيينك لهم { يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 44] في آياته وأحكامه، ويتأملون في حكمه ومرموزاته؛ كي يتفطنوا إلى معارفه وحقائقه، وكشوفاته وشهوداته الموعودة فيه.

السابقالتالي
2