الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } * { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

{ ثُمَّ } بعدما أشرنا إليك يا أكمل الرسل كما استحقاقه، ولياقته للاقتدار والمتابعة { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } تكريماً لك وله { أَنِ ٱتَّبِعْ } في إيصال الدعوة، وتبليغ الرسالة، وإظهار الدين والأحكام، والرق والتليين مع الأنام، والحكم والتواضع معهم على أبلغ وجه وأكمل نظام { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أي: خصلة جدك - عليك و عليه الصلاة والسلام - إذ كان { حَنِيفاً } مائلاً عن كلا طرفي الإفراط والتفريط في جميع الأطوار والأخلاق، والأفعال والأقوال { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 123] المستكبرين في خُلُقٍ من الأخلاق، ووصفٍ من الأوصاف، بل كان على مقتضى صرافة التوحيد، وعدالة اليقين والتحقيق؛ لذلك صار إماماً للموحدين إلى قيام الساة.

ثمَّ قال سبحانه تعييراً على المشركين، وتقريعاً لهم: { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ } أي: قُدر وفرض لحوق وبال يوم السبت، وأنواع العقوبات والمسخ { عَلَىٰ } المشركين { ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } وجادلوا مع نبيهم في تعيينه واختياره؛ إذ أمرَهم موسى عليه السلام بتعظيم يوم الجمعة واتخاذها عيداً، فأبوا معللين: إن الله قد فرغ من خلق السماوات والأرض في السبت، فنحن نوافقه، ونتخذه عيداً، فألزمهم الله تعظيم السبت، وتحريم الصيد فيه، فاحتالوا فيه، فاصطادوا بالمكر، فمسخهم الله، ولحقهم من الوبال ما لحقهم { وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النحل: 124] ويجادلون مع الرسل، فيجازيهم ويعاقبهم على مقتضى ما صدر عنهم.

ثمَّ أشار سبحانه إلى تتميم تكريم حبيبه صلى الله عليه وسلم، وتعظيم رتبته، وتهذيب أخلاقه، وتكميل حكمته ورسالته، وتعميم رأفته ورحمته إلى جميع البرية، وكافة الخليقة؛ إذ هو مبعوث على الكل بالرحمة العامة، وهو خاتم الرسالة والنبوة، ومكمل أمر التشريع والتكميل؛ إذ العلة الغائبة في مطلق التشريع والإنزال والإرسال إنما هي ظهور مرتبته ومكانته التي هي الدعوة إلى التوحيد الذاتي، ومتى ظهرت فقد كملت وتمت؛ لذلك نزل في شأنه:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3].

وهي آخر أية نزلت من القرآن، وقال صلى الله عليه وسلم: " بُعِثْتُ لأُِتَمَّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ " فقال مخاطباً له خطاب تمكينٍ وتكريم: { ٱدْعُ } يا أكمل الرسل { إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ } أي: إلى طريق توحيد مربيك الذي أرشدك إلى معارج عنايته، وهداك إلى كمال كرامته كافة البرايا، وعامة العباد { بِٱلْحِكْمَةِ } البالغة المكيفة لقلبهم عن صلابة التقليدات الراسخة الموروثة لهم عن أسلافهم، المصفية نفوسهم عن الحمية الجاهلية المتمكنة فيها، الخالية عن توهم السطوة والاستيلاء، المثيرة لأنواع الأعراض النفسانية المترتبة فيها، الخالية عن توهم السطوة والاستيلاء، المثيرة لأنواع الأعراض النفسانية المترتبة على البشرية، المزيلة لأنواع الشبه والتخيلات الناشئة من الأسباب والوسائل العادية المقنعة، ملائمة للفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها رجاء أن يتفطنوا، ويتنبهوا بمقتضى جِبِلَّتهم وفطرتهم.

السابقالتالي
2 3