الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } * { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } * { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

وما { ذٰلِكَ } أي: تحسينهم الكفر، واستطابتهم به إلاَّ { بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ } واستطابوا { ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا } أي: الحياة الصورية المستعارة الزائلة { عَلَىٰ } حياة { ٱلآخِرَةِ } التي هي الحياة المعنوية الحقيقية السرمدية التي لا زوال لها أصلاً { وَ } أيضاً بسبب { أَنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده { لاَ يَهْدِي } إلى الإيمان والتحيد { ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [النحل: 107] المجبولين على الكفر والعناد بحسب أصل فطرتهم واستعداداتهم.

{ أُولَـٰئِكَ } المجبولون على الكفر هم { ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ } وختم { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } إلى حيث لا يفهمون، ولا يتفطنون بسرائر الإيمان والتوحيد أصلاً، ولا يتلذذون بلذاتها؛ لغلظ حجبهم وكثافتها { وَ } على { سَمْعِهِمْ } إلى حيث لا يسمعون، ولا يبلون دلائل التوحيد وأماراتها من أرباب الكشف واليقين { وَ } على { أَبْصَارِهِمْ } إلى حيث لا ينظرون نظر عبرة وبصارة إلى المظاهر والآثار المترتبة على الأوصاف الذاتية الإلهية { وَ } بالجملة: { أُولَـٰئِكَ } البعداء المطرودون عن عزِّ الحضور { هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [النحل: 108] المقصورون على الغفلة والنسيان، التائهون في تيه الضلال والطغيان.

{ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ } بسبب طردهم وخذلانهم { فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } [النحل: 109] المقصورون على الخسران والنقصانز

{ ثُمَّ } بعدما سمعت أحوال أولئك المقهورين المطرودين { إِنَّ رَبَّكَ } الذي ربَّاك بأنواع الكرامات، وأوصلك إلى أعلى المقامات يجزي خير الجزاء تفضلاً وإحساناً { لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ } عن بقعة الإمكان حين كوشفوا بما فيها من الخذلان والخسران، وأنواع الرذائل والنقصان، وذلك { مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } بأنواع الفتن والمحن باستيلاء جنود الأمارة بالسوء عليهم { ثُمَّ جَاهَدُواْ } معها بترك مألوفاتها، وقطع تعلقاتها، وصرفها عن مشتهياتها ومستلذاتها { وَصَبَرُواْ } على متاعب الرياضات، ومشاق المجاهدات إلى أن صارت أماراتهم مطمئنةً راضيةً مرضيةً، ثمَّ بعدما قطعوا مسالك السلوك، ومنازل التلوين والتزلزل { إِنَّ رَبَّكَ } المفضل المحسن إليك يا أكمل الرسل، وإلى من تبعك من خيار المؤمنين { مِن بَعْدِهَا } أي: بعد المجاهدات والرياضيات { لَغَفُورٌ } يسترُ أنانيتهم، ويغنيهم عن هوياتهم مطلقاً { رَّحِيمٌ } [النحل: 110] لهم، يمكنّهم في مقام الرضا والتسليم مطمئنين مرضيين.

هب لنا من لدنك رحمةً با ذا القوة المتين.

واذكر يا أكمل الرسل المبعوث إلى كافة الأنام { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ } عاصيةٍ أو مطيعةٍ { تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } أي: ذاتها، وتهتم لشأنها بلا التفاتٍ منها إلى شفاعةٍ غيرها؛ إذ هي رهينة ما كسبت من خيرِ وشرٍ { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } جزاء { مَّا عَمِلَتْ } طاعة ومعصية { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [النحل: 111] في جزائهم وأجورهم لا زيادةً ولا نقصاناً على مقتضى العدل الإلهي.

{ وَ } بعدما أراد سبحانه أن ينبه على أهل النعمة، وأرباب الرخاء والرفاهية، ألاَّ يبطروا، ولا يباهوا بما في أيديهم من النعم، ويداموا على شكرها، وأداء حقها خوفاً من زوالها وفنائها، وانقلابها شدةً ونقمةً { ضَرَبَ ٱللَّهُ } المدبِّر لأمورهم { مَثَلاً } تعتبرون منها وتتعظون { قَرْيَةً } هي مكة أو أيلة { كَانَتْ } نفوس أهلها { آمِنَةً } عن الخوف من العدو والجوع من نقصان الغلات والأثمار { مُّطْمَئِنَّةً } بما عندهم من الحوائج بلا تردد ومشقة؛ إذ { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا } على الترادف والتوالي { رَغَداً } واسعاً وافراً { مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من البلاد التي في حواليها ونواحيها.

السابقالتالي
2