{ وَ } بعدما فرغ عن التعديد والتذكير { قَالَ } لهم { مُوسَىۤ } قولاً ناشئاً عن محض الحكمة والرزانة على مقتضى نور النبوة والولاية: { إِن تَكْفُرُوۤاْ } أيها الغافلون عن كمال استغناء الله وعلو شأنه وسمو سلطانه { أَنتُمْ } بأجمعكم، بل { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } لا يزن في جنب استغنائه سبحانه مقدار جناح بعوضة { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { لَغَنِيٌّ } في ذاته عما سواه من أظلاله مطلقاً { حَمِيدٌ } [إبراهيم: 8] بمقتضيات أوصافه وأسمائه وأسمائه. { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أيها التائهون في تيه الغفلة والغرور { نَبَأُ ٱلَّذِينَ } مضو { مِن قَبْلِكُمْ } لمثل { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } من الأمم الهالكة { لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } المطلع لجميع ما كان ويكون، لا يعزب عن حيطة حضرة علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء حين { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ } المبعوثون إليهم { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } الواضحات، والمعجزات الباهرات المثبتة لرسالاتهم، فدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وأمروهم بالمعروفات ونهوهم عن المنكرات { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ } مشيرين إليها من غاية إنكارهم واستهزائهم { وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا } أي: اعترفنا بالكفر بأفواهنا، كأنهم أخبروا عن كفرهم بالجملة الماضية تحقيقاً وتقريراً لما هم عليه من الكفر والطغيان { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } من عند ربكم وكيف نؤمن لكم { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ } عظيم { مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ } من الإله الواحد، الأحد الصمد المتصف بجميع صفات الكمال، الموجد المظهر للكائنات { مُرِيبٍ } [إبراهيم: 9] موقع للريب المؤدي إلى الإنكار؛ إذ المتصف بهذه الصفات لا بدَّ أن يكون أظهر من الشمس، مع أنه أخفى من كل شيء، بل لا وجود له أصلاً. { قَالَتْ } لهم { رُسُلُهُمْ } على سبيل التوبيخ والتقريع: { أَفِي ٱللَّهِ } الظاهر المتجلي في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق { شَكٌّ } وتردد مع كونه { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة، إنما { يَدْعُوكُمْ } إلى توحيده بإرسال الرسل وإنزال الكتب { لِيَغْفِرَ لَكُمْ } بعضاً { مِّن ذُنُوبِكُمْ } وهو ما بينكم وبينه سبحانه؛ إذ حق الغير لم يسقط ما لم يعف صاحب الحق عنه { وَ } بعد دعوتكم { يُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى } هو يوم الجزاء؛ ليهيئ كل منكم زاد يومه هذا على الوجه المأمور المبين في الكتب المنزلة على الرسل، وبعدما سمعوا من الرسل ما سمعوا { قَالُوۤاْ } مستنكرين عليه، مستهزئين لهم: { إِنْ أَنتُمْ } أي: ما أنتم { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } تأكلون وتشربون وتفعلون جميع ما نفعل { تُرِيدُونَ } بأمثال هذه الحيل والتزويرات الباطلة { أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } وأسلافنا من الآلهة والأصنام، وإن صدقتم في دعواكم { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [إبراهيم: 10] أي: بحجة واضحة لائحة نقترحها منكم.