{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن عند الحق وجادل مع أهله مكابرة، مستفماً على سبيل التبكيت والإسكات: { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم ومربيهما بأنواع التربية والكرم؟ { قُلِ } أيضاً أ،ت في جواب سؤالك؛ إذ هم معزولون عن التنطق بكلمة الحق؛ إذ ختم الله على قلوبهم وأفواههم: { ٱللَّهُ } أي: الموجد والمربي، هوالله المستقل بالألوهية والربوبية، ثم بعدما ظهر الحق { قُلْ } لهم على سبيل التوبيخ والتقريع: { أَفَٱتَّخَذْتُمْ } أيها الجاهلون بالله وحق قدره { مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } معبودات من جنس مصنوعاته، سيما أدونها وهي الجمادات التي { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } فضلاً لغيرهم. { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل توبيخاً وتقريعاً: أيها الجاهلون المعزولون عن مقتضى العقل الفطري { هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ } الفاقد للبصر { وَٱلْبَصِيرُ } الواجد لها؟ { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ } أي: الأعدام الهالكة في نفسها { وَٱلنُّورُ } الوجود المتشعشع في ذاته؟ { أَمْ جَعَلُواْ } أولئك الحمقى العمي الهالكون في تيه الغفلة والضلال { للَّهِ } المنزه عن المثل والمثال { شُرَكَآءَ } مثله { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } وأوجدوا لخقه وإيجاده { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } أي: حتى اشتبه عليه وتشابه خلقهم لخلقه، سبحاه عما يقول الظالمون علواً كبيراً { قُلِ } يا أكمل الرسل إرشاد وتكميلاً: { ٱللَّهُ } المستجمع لصفات الكمال بأسرها والمربي لجميع الكائنات برمتها { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } أي: مظهرها وموجدها بالاستقلال بلا مظاهرة ومشاركة { وَهُوَ } بذاته { ٱلْوَاحِدُ } المستقل في الوجود { ٱلْقَهَّارُ } [الرعد: 16] للأإيار الهالكة في أنفسها، المنعكسة من أظلال أسمائه وأوصافه، الباقية في صرافة عدميتها الأصيلة. ومن إشفاقه ومرحمته على عباده أن { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: من العالم الروحاني { مَآءً } أي: ماء الإيمان والعرفان { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } أي: امتلئت النفوس القابلة بقدر ما يسع في استعداداتها منها، فسالت بعدما امتلئت { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } أي: ارتفع على مياه المعارف والحقائق زيد التقليدات الحاصلة من رسوب القوى البشرية، وغش الطبيعة تسقطها على الأطراف وتصفيها عن الكدورة مطلقاً { وَ } مثل ذلك الزبد الباطل يحصل { مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ } من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها حين أرادوا ذوبانها { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } أي: طلب اتخاذها منها { أَوْ مَتَاعٍ } آخر من الأواني وآلات الحرب { زَبَدٌ } فساد باطل في نفسه { مِّثْلُهُ } الزبد الأول. { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده { ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ } لهم؛ لكي يتنبهوا ويتفطنوا فيتبعوا الحق ويجتنبوا عن الباطل، ثم بيَّن لهم سبحانه مآلهم توضيحاً وتقريراً بقوله: { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ } المرتفع على الماء { فَيَذْهَبُ جُفَآءً } أي: يضمحل ويتلاشى بالجفاف كما أن زبد التقليدات يسقط ويضمحل بإشراق نور اليقين { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من مياه المعارف والحقائق { فَيَمْكُثُ } ويستقر { فِي ٱلأَرْضِ } أي: الطبيعة القابلة لانعكاس أشعة الأسماء والصفات الإلهية لينبت فيها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].