الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ }

{ قُلْ } يا أكمل الرسل لمن عند الحق وجادل مع أهله مكابرة، مستفماً على سبيل التبكيت والإسكات: { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم ومربيهما بأنواع التربية والكرم؟ { قُلِ } أيضاً أ،ت في جواب سؤالك؛ إذ هم معزولون عن التنطق بكلمة الحق؛ إذ ختم الله على قلوبهم وأفواههم: { ٱللَّهُ } أي: الموجد والمربي، هوالله المستقل بالألوهية والربوبية، ثم بعدما ظهر الحق { قُلْ } لهم على سبيل التوبيخ والتقريع: { أَفَٱتَّخَذْتُمْ } أيها الجاهلون بالله وحق قدره { مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } معبودات من جنس مصنوعاته، سيما أدونها وهي الجمادات التي { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } فضلاً لغيرهم.

{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل توبيخاً وتقريعاً: أيها الجاهلون المعزولون عن مقتضى العقل الفطري { هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ } الفاقد للبصر { وَٱلْبَصِيرُ } الواجد لها؟ { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ } أي: الأعدام الهالكة في نفسها { وَٱلنُّورُ } الوجود المتشعشع في ذاته؟ { أَمْ جَعَلُواْ } أولئك الحمقى العمي الهالكون في تيه الغفلة والضلال { للَّهِ } المنزه عن المثل والمثال { شُرَكَآءَ } مثله { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } وأوجدوا لخقه وإيجاده { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } أي: حتى اشتبه عليه وتشابه خلقهم لخلقه، سبحاه عما يقول الظالمون علواً كبيراً { قُلِ } يا أكمل الرسل إرشاد وتكميلاً: { ٱللَّهُ } المستجمع لصفات الكمال بأسرها والمربي لجميع الكائنات برمتها { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } أي: مظهرها وموجدها بالاستقلال بلا مظاهرة ومشاركة { وَهُوَ } بذاته { ٱلْوَاحِدُ } المستقل في الوجود { ٱلْقَهَّارُ } [الرعد: 16] للأإيار الهالكة في أنفسها، المنعكسة من أظلال أسمائه وأوصافه، الباقية في صرافة عدميتها الأصيلة.

ومن إشفاقه ومرحمته على عباده أن { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: من العالم الروحاني { مَآءً } أي: ماء الإيمان والعرفان { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } أي: امتلئت النفوس القابلة بقدر ما يسع في استعداداتها منها، فسالت بعدما امتلئت { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } أي: ارتفع على مياه المعارف والحقائق زيد التقليدات الحاصلة من رسوب القوى البشرية، وغش الطبيعة تسقطها على الأطراف وتصفيها عن الكدورة مطلقاً { وَ } مثل ذلك الزبد الباطل يحصل { مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ } من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها حين أرادوا ذوبانها { ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } أي: طلب اتخاذها منها { أَوْ مَتَاعٍ } آخر من الأواني وآلات الحرب { زَبَدٌ } فساد باطل في نفسه { مِّثْلُهُ } الزبد الأول.

{ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ } المصلح لأحوال عباده { ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ } لهم؛ لكي يتنبهوا ويتفطنوا فيتبعوا الحق ويجتنبوا عن الباطل، ثم بيَّن لهم سبحانه مآلهم توضيحاً وتقريراً بقوله: { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ } المرتفع على الماء { فَيَذْهَبُ جُفَآءً } أي: يضمحل ويتلاشى بالجفاف كما أن زبد التقليدات يسقط ويضمحل بإشراق نور اليقين { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } من مياه المعارف والحقائق { فَيَمْكُثُ } ويستقر { فِي ٱلأَرْضِ } أي: الطبيعة القابلة لانعكاس أشعة الأسماء والصفات الإلهية لينبت فيها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } [الرعد: 17].