{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } على الوجه المعهود وشدوا رحالهم { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ } أي: أمر يوسف للخدمة أن يجعلوا السقاية التي بها يكال، وهي من الفضة، وقيل: من الذهب { فِي رَحْلِ أَخِيهِ } بنيامين، وبعدما شدوا الرحال ودعوا مع العزيز جميعاً، فخرجوا عقبها { ثُمَّ } بعدما خرجوا من البلدة { أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } أي: صاح عليهم صائح من قبل العزيز: { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ } أي: القفل إلى أين تمشون؟ { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف: 70] مدبرين. { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ } أي: على الصائحين، مضطربين خائفين: { مَّاذَا تَفْقِدُونَ } [يوسف: 71] أيها الفاقدون المتفقدون؟ { قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ } أي: الآنية التي يصاع ويكال بها { وَ } بالجملة: { لِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } من المكيل { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [يوسف: 72] ضمين أتكفل أن أتفحص من رحله. { قَالُواْ } مضطربين، مقسيمن، مستبعدين: { تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ } أيتها الخدمة والعزيز { مَّا جِئْنَا } عندكم وفي أرضكم { لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } سيما السرقة، فإنها من أعظلم الفسادات { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [يوسف: 73] أصلاً؛ إذ نحن أولاد الأنبياء ولا يليق بنا أمثال هذا. { قَالُواْ } أي: الشرطة الخدام: { فَمَا جَزَآؤُهُ } أي: أي شيء جزاء السارق منكم { إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } [يوسف: 74] في دعوى البراءة والنزاهة؟ { قَالُواْ } أي: إخوة يوسف: { جَزَآؤُهُ } أي: جزاء السارق { مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ } نفسه وشخصه { جَزَاؤُهُ } أي: جزاء سرقته بأن يسترق سنة، وكان جزاء الساءق في دين يعقوب استرقاق سنة { كَذٰلِكَ } أي: مثل ما قلنا { نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [يوسف: 75] السارقين في دين أبناء يعقوب عليه السلام. ثم لما أفتوا بما أفتوا أخذوا بالتفيش والكشف { فَبَدَأَ } الزاعم { بِأَوْعِيَتِهِمْ } أي: بتفتيشها وتفحصها { قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ } بنيامين { ثُمَّ } بعدما استقصى الكل واستقرأها تفشياً { ٱسْتَخْرَجَهَا } أي: السقاية { مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } لئلا يظن أنهم يدسونها في رحله { كَذٰلِكَ } أي: مثل كيد يوسف لأخذ أخيه بنيامين { كِدْنَا لِيُوسُفَ } في أخذه من يد إخوته وخلاصه من الرق والسجن، وكدنا له أيضاً في أخذ أخيه من إخوته بفتواهم أيضاً؛ إذ { مَا كَانَ } أي: ما صح وجاز له { لِيَأْخُذَ أَخَاهُ } بجرم السرقة { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } أي: ملك مصر؛ إذ في دينه اضرب وأخذ ضعف ما سرق { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } هذا الحكم المخصوص في دين الملك، وألهمه ليوسف بنفاذه أو بحكم في هذه المسألة على دين آبائه، أو كان الملك أسلم بيده، ودخل بيدن آبائه على ما نُقل { نَرْفَعُ } ونعلو { دَرَجَاتٍ } أي: مراتب ومنازل { مَّن نَّشَآءُ } من عبادنا، بزيادة الفضائل والكمالات والحقائق والمعارف { وَ } لا يبعد منا أمثال هذا؛ إذ { فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76] أعلى منه لا إلى نهاية؛ إذ لا انقطاع لتجددات التجليات أصلآً، لذلك قال سبحانه: " ألا طال شوق الأبرار إلى لقائي " أي: شوقي وتجلياتي.