الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } * { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } * { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَ } لما سمع الشرابي من يوسف ما سمع، تسارع إلى الملك وأخبره ما سمع من التعبير { قَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ } فأرسل من يحضره { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ } ليخرجه من السجن { قَالَ } يوسف: لا أخرج من السجن ما لم يظهر براءتي وعصمتي وطهار ذيلي وكمال عفتي مما يرمونني ويسجنونني بسببه { ٱرْجِعْ } أيها الرسول { إِلَىٰ رَبِّكَ } وسيدك { فَاسْأَلْهُ } أن يكشف عن أمره وما جرى عليَّ من ظلم أولئك المفترين، سيما ليسأل: { مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } وما شأنهن معي { إِنَّ رَبِّي } الذي رباني بكمال العصمة والعفة { بِكَيْدِهِنَّ } ومكرهن الذي قصدن معي { عَلِيمٌ } [يوسف: 50] على التفصيل الذي يخفون في نفوسهن، يجازيهن في يوم الجزاء على مقتضى علمه.

ثم لما رجع الرسول إلى الملك وأخبر عن حاله ومقاله، بادر الملك إلى إحضار أولئك النسوان فحضرن { قَالَ } الملك منتقماً عنهن، مفتشاً عما جرى بينهن وبين يوسف: { مَا خَطْبُكُنَّ } وشأنكن أيتها الماكرات المحتالات { إِذْ رَاوَدتُّنَّ } وخادعتن بأنواع الحيلة والخداع { يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } وأي شيء ظهر منه من أمارات الفساد وعلامات الفسوق حتى تجترئن بمراودته؟! { قُلْنَ } بأجمعهن بعدما سمعن كلام الملك واستفساره على وجه الانتقام: { حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ } أي: فعلة ذميمة وديدنة قبيحة باعثة لنا إلى مراودته، سوى أنا رأيناه على صورة عجيبة وحسن بديع، مِلْنا إلأيه وأردنا مخالطته فاستعصم من كمال عفته ونجابة طينته، ثم { قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ } عند الملك بعدما بدأ ما أخفت وفشا ما سترت، مقرة مقررة لطهارة ذيله: { ٱلآنَ حَصْحَصَ } أي: لاح وظهر { ٱلْحَقُّ } وارتفع عنه الحجب انكشف الأستار { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ } بعدما شغفني حبه وأزعجني ميله { وَإِنَّهُ } في ذاته وأقواله وأفعاله { لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [يوسف: 51] المبرين المنزهين عما افترينا عليه ورمينا به.

ثم لما انشكف أمره عند الملك وثبت براءته، أرسل الرسول إليه ثانياً ليخرجه من السجن، قال يوسف على مقتضى الحكمة الصادرة من ألسنة الأنبياء؛ توطيناً لنفس ال عزيز تسلية له، ليجزم أنه ما أساء الأدب معه في السر والعلانية { ذٰلِكَ } الكشف والتفتيش إنما هو { لِيَعْلَمَ } العزيز يقيناً { أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } حين انغلاق الأبواب السبعة، وأنا مع زوجته فكيف في غيرها { وَ } ليعلم العزيز أيضاً { أَنَّ ٱللَّهَ } المطبع لجميع ما جرى على عباده { لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } [يوسف: 52] أي: لا يوصل أهل الخيانة إلى ما يقصدون إليه بكيدهم وحيلتهم، بل يفضحونهم بها على رءوس الأشهاد في الأولى والأخرى.

ثم قال: { وَمَآ أُبَرِّىءُ } وأنزه { نَفْسِيۤ } عن الفرطات والغفلات والخواطر القبيحة والديدنة الشنيعة على مقتضى القوى الشهوية واللذة البهيمية، وكيف ابرئ وأنزه { إِنَّ ٱلنَّفْسَ } المركوزة في الجبلة الإنسانية { لأَمَّارَةٌ } مائلة بالطبع { بِٱلسُّوۤءِ } والفساد متوجهة نحوه إذا خلى وطبعها { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } أي: حفظها الله من كمال رحمته وشفقته من طغيانها ووسوسة الشيطان إليها { إِنَّ رَبِّي } الذي رباني بالعصمة والعفاف { غَفُورٌ } لما صدر عني من الخواطر النفسانية { رَّحِيمٌ } [يوسف: 53] يرحمني بفضله ويعصمني بلطفه عما يبعدني من كنفه وجواره.