الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }

{ وَٱتَّبَعْتُ } في سلوكي طريق التوحيد { مِلَّةَ آبَآئِـيۤ } وأجدادي { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ } أي: ما صح وجاز لنا معاشر الأنبياء { أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ } المتوحد بذاته وأوصافه وأسمائه، المستقل في وجوده وحقيته { مِن شَيْءٍ } لا وجود له أصلاً سوى العكسية والظلية { ذٰلِكَ } الشهود والانكشاف { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ } الذين أُرسلنا إليهم وبُعثنا بينهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } الناسين حقوقهم نعم الله { لاَ يَشْكُرُونَ } [يوسف: 38] نعمة الإرسال وبعثة الرسل، ولا يواظبون على أداء شكرها.

ثم لما مهد يوسف لصاحبه طريق التوحيد ونبه عليهما السلوك عليه، أشار إلى دعوتهما إليه على سبيل التدريج كما هو دأب الأنبياء، فقال منادياً لهما ليقبلا على بول قوله: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ } الساكنين فيه، المصاحبين معي { ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ } متكثرون في العدد متماثلون في عدم القدرة والاختيار { خَيْرٌ } عندكم وأحق لعبادتكم وانقيادكم { أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } المتوحد في ذاته، المستقل في ألوهيته وربوبيته، المستغني في ذاته عن المظاهر مطلقاً { ٱلْقَهَّارُ } [يوسف: 39] الغالب على جميع السوى والأغيار.

وأعلما أيها الأخوان { مَا تَعْبُدُونَ } أنتما ومن على دينكما في مصر من عبدة الآلهة الباطلة { مِن دُونِهِ } أي: من دون الله الواحد الأحد الصمد، الذي لا شريك له في الوجود أصلاً { إِلاَّ أَسْمَآءً } مطلقة على الأظلال معدومة، وعكوساً موهومة { سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } من تلقاء نفوسكم آلهة ومعبودات، مع أنه { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المنزل للكتب والمرسل للرسل { بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي: بشأن آلهتكم من حجة وبرهان عقلي ونقلي تى تكون تمسكاً لكم في اتخاذكم هؤلاء التماثيل آلهة مستحقة للعبادة والإطاعة { إِنِ ٱلْحُكْمُ } أي: ما الحكم المطلق والاستحقاق التام للإطاعة والانقياد وعبادة العباد { إِلاَّ للَّهِ } المتردي برداء العظمة والكبرياء، المتفرد باجللال والبقاء، المتوحد في البسطة والاستيلاء؛ إذ هو المستحق بالعبادة، المستقبل بالربوبية؛ لأنه في ذاته هو ولا شيء ساه، ولا إله إلا هو مع { أَمَرَ } فيما أنزل من الكتب على أنبيائه ورسله { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ولا ترجعوا أيها الأظلال الهالكة والعكوس الباطلة { إِلاَّ إِيَّاهُ } إذ به وبامتداد أظلال أوصافه وأسمائه ظهرت أشباحكم، ولاحت تماثيلكم وأرواحكم، فلا رجوع لكم إلاَّ { ذٰلِكَ } أي: طريق التوحيد، هو { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي: الأقوم والأعدل، الذي لا عوج فيه أصلاً { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } لكثافة حجتهم وغلظ غيظتهم وأغشيتهم { لاَ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 40] ولا يفهمون سر سريان الوحدة في الكثرة، فحُجبوا بالمظاهر المتكثرة عن الوحدة الظاهرة فانصرفوا عن طريق الحق إلى الباطلوَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40].

ثم لما دعاهما إلى الإيمان والتوحيد، ونبه عليهما طريقه، اشتغل بتعبير رؤياهما، فقال منادياً لهما أيضاً: { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا } وهو الشرابي { فَيَسْقِي رَبَّهُ } أي: سيده وملكه { خَمْراً } على ما كان عليه بلا احتياج إلى تأويل { وَأَمَّا ٱلآخَرُ } وهو الخبار { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ } هذا ما ظهر لي في تأويل رؤياه بتوفيق الله إياي: وبعدما سمعا منه التأويل قالا: كذبنا فيما قلنا لك واستعبرنا منك، قال يوسف عليه السلام: { قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [يوسف: 41] أي: حكم حكماً مبرماً على الوجه الذي ذكر في حضرة علم الله ولوح قضائه؛ لأن الأمر الذي جرى على لسان الأنبياء لا بدَّ أن يقع؛ إذ لا جريان للكذب وعدم المطابقة في ألسنة الأنبياء والرسل.