الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) لم يتم تصنيفه بعد و لم يتم تدقيقه بعد


{ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

ثم لما بغالوا وألحوا { قَالَ } أبوهم: { إِنِّي } من شدة محبتي وشوقي إليه، وتحنني وعطفي نحوه { لَيَحْزُنُنِيۤ } مفارقته { أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } مع ذلك { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } لأن ارضنا مذئبة { وَأَنْتُمْ } لشدة شغلكم على الرتع واللعب { عَنْهُ غَافِلُونَ } [يوسف: 13] حينئذٍ، ذاهلون من حضانته وحفظه.

{ قَالُواْ } على سبيل الاستبعاد والاستنكار مقسمين؛ تعزيراً عليه وتأكيداً لمكرهم وخداعهم: والله { لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } أي: جماعة أقوياء ذوو عة وعُدة وقدرة وقوة { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } [يوسف: 14] ضعفاء ذليلون مغبونون، قالوا ذلك على سبيل التشدد وإظهار الجرأة والشجاعة، كأهم يستدلون على عدم وقوع المحذر به.

{ فَلَمَّا } احتالوا وبالغوا في الحيلة والمكر إلى أن { ذَهَبُواْ بِهِ } أي: بيوسف إلى الصحراء، فاشتغلوا بضربه وشتمه والقهر عليه وأنواع العذاب والعقاب، وكادوا أن يقتلوه ظلماً وزوراً، قال لهم يهوذا: أنتم عهدتم ألا تقتلوه، فما هذه المبالغة ةالاشتداد، أمَا تستحيون من الله؟ { وَ } بعدما قال لهم يهوذا هذا { أَجْمَعُوۤاْ } واتفقوا { أَن يَجْعَلُوهُ } ويطرحوه { فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } وهو جب معروف مشهور بجب يوسف، على ثلاثة أميال من صفد يعقوب، قريب من جسر يقال له: جسر يعقوب بفرسخ تقريباً، فقربوه على الجب وعزموا إلقاءه فيها، فتعلق وسف بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا عنه قميصه؛ ليطلخوه بالدم لكذب، فألقوه مربوطة يديه على الماء وكان فيها صخرة عظيمة جلس عليها عرياناً قلقاً، حائراً، حزناً، مصطرباً، مستوحشاً { وَ } بعدما ألقوه وقضوا الطر أزلنا عنه وحشته وكربه بأن { أَوْحَيْنَآ } من مقام لطفنا وجودنا { إِلَيْهِ }: لا تغتم أيها الصديق من صنيع هؤلاء الغواة الهالكين في تيه الحسد والعناد، إنَّا بمقتضى كرمنا وأحساننا لنفضلك عليه ونمكنك على انتقامهم إلى حيث { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ } وتحدثنهم معاتباً عليه، منتقماً منهم { بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } معك وحيلتهم ومكرهم مع أبيك { وَهُمْ } في تلك الحالة { لاَ يَشْعُرُونَ } [يوسف: 15] أنك يوسف؛ لعلو شأنك وارتفاع قدرك وسلطانك، اصبر أيها الصديق على أذاهم في الحال، فإن لك السلطنة والسطوة عليهم في المآل.

{ وَ } بعدما فعلوا بيوسف ما فعلوا { جَآءُوۤا أَبَاهُمْ } ملتبسين محتالين { عِشَآءً } في آخر اليوم { يَبْكُونَ } [يوسف: 16] صاحئين، صارفين، فزعين؛ تغريراً على أبيهم.

فلما سمع يعقوب صياحهم اضطرب فقال: ما لكم؟ وأين يوسف؟ { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } أي: نتسابق بالعدو والرمي واستمر تسابقنا ومالنا { وَ } قد { تَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا } لحفظها، فغفلنا عنه بغرور السباق { فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ } وكنت نظرت من أول الأمر فوقع { وَ } نحن نعلم { مَآ أَنتَ } يا أبانا { بِمُؤْمِنٍ } أي: مصدق { لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف: 17] فيما أخبرنا لك؛ لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف.

{ وَ } بعدما تفرسوا منه الإنكار والاستبعاد { جَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ } معه { بِدَمٍ كَذِبٍ } يعني: جاءوا مثبتين لدعواهم بدم كذب ملطخ على قميصه، مفترين على الذئب بأنه أكله، وبعدما جاءوا بالقميص الملطخ، طلب منهم ابوهم، فألقاه على وجهه فبكى بكاء فظيعاً فجيعاً، وتمادى في البكاء زماناً طويلاً حتى احمر وجهه من الدم الملطوخ به، ثم كشف القميص فرآه لم يمزق، فقال: ما رأيت ذئباً أحلم من هذا الذئب، أكل ابني ولم يمزق قيمصه! ثم { قَالَ } متوجهاً إليهم: ما جئتم به معتذرين عليَّ ليس بمطابق للواقع { بَلْ سَوَّلَتْ } سهلت ويسرت { لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } بإلقاء الشيطان وتعيلمه إياكم لتعتذروا به عليَّ { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أجمل علي فيما ابتليت { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ } احتال { مَا تَصِفُونَ } [يوسف: 18] بألسنتكم أيها المسرفون؛ إذ لا طاقة في تحمله إلا بعون الله وإقداره.