{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني كيف كفرتم في { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ } لمعاشكم وتقوية مزاجكم { مِّن رِّزْقٍ } مسوق إليكم محصل بأسباب سماوي مباح لكم { فَجَعَلْتُمْ } من تلقاء أنفسكم { مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } أي: حرمتم بعضه وحللتم بعضاً آخر بلا ورود شرع { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل إلزاماً وتقريعاً: { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } بهذه التفرقة والقسمة { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } [يونس: 59] بنسبتها إليه. { وَمَا ظَنُّ } أي: أي شيء ظن أولئك المفترون { ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } بأنهم لم يجاوزوا ولم يؤاخذوا { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } على افترائهم على الله ما لم يصدر عنه، بل إنهم مؤاخذون على جرأتهم على الله وافترائهم به، سيما بعد ورود الزواجر والروادع من الآيات الدالة على امتناعهم عنها فلم يمتنعوا { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوال عباده { لَذُو فَضْلٍ } عظيم { عَلَى ٱلنَّاسِ } بإنزال الكتب وإرسال الرسل المنبهين على ما هو الأصلح لهم وأليق بحالهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } بجهلهم وخبث باطنهم { لاَ يَشْكُرُونَ } [يونس: 60] نعمه بل ينكرون ويكفرون بها عناداً ومكابرة. { وَ } كيف ينكرون رسالتك ووحيك من الله وتأييدك من عنده سبحانه؛ إذ { مَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } وأمر من ادعاء الرسالة من الله والتشريع من جانبه بلا إذن منه { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ } مدعياً نزوله من عنده بلا وحيه وإنزاله { وَلاَ تَعْمَلُونَ } أنتم أضاً { مِنْ عَمَلٍ } صالح أو طالح، خير أو شر { إِلاَّ كُنَّا } بذاتنا وأوصافنا وأسمائنا { عَلَيْكُمْ شُهُوداً } حضراء رقباء، مطلعين على جميع ما جئتم به وقت { إِذْ تُفِيضُونَ } أي: تخوضون وتقصدون الشروع { فِيهِ } أول الذب عنه { وَ } كيف لا نطلع عليها ولا يحيط علمنا بها وشهودنا إياها؛ إذ { مَا يَعْزُبُ } أي: لا يغيب ويبعد { عَن رَّبِّكَ } ومربيكم أيها المظهر الجامع لجميع المراتب الكونية والكيانية والمتخلق بجميع الأخلاق الإلهية { مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ } كائنةٍ { فِي } أقطار { ٱلأَرْضِ وَلاَ } كائنة { فِي ٱلسَّمَآءِ } وفضائها { وَ } كيف يعزب ويغيب عن حيطة علمه شيء؛ إذ { لاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ } المقدار { وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [يونس: 61] ظاهر الإبانة والظهور بالنسبة إلى أرباب الولاء، الباذلين أرواحهم في طريق الفناء، المستغرقين في بحر الوحدة، الفانين عن هوياتهم بالمرة.