قوله تعالى: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } إلى آخر السورة. أي: فلم يقتحم، أي: لم يركب هذا القوي الشديد العقبة فيقطعها ويجوزها بالإيمان والعمل الصالح، فهو خاص يراد به العموم. قال ابن عباس: " العقبة جبل في جهنم ". وقال الحسن: هي عقبة في جهنم. وقال قتادة: [للنار] عقبة دون الجسر. وقال كعب: العقبة " [سبعون] درجة في جهنم ". وقيل: معناه أنه تمثيل يراد به: لم يفعل ما أمر به، ومثل ذلك بالعقبة لصعوبته وصعوبة جواز العقبة. وقال ابن زيد: { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } [أي]: فلم يسلك الطريق الذي فيه النجاة. ثم قال تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ }. أي: ما [اقتحام] العقبة؟! [أي]: وأي شيء أشعرك يا محمد ما اقتحام العقبة؟! ثم بين ما هو فقال: { فَكُّ رَقَبَةٍ } أي: اقتحامها والنجاة منها هو فك رقبة من الرق [وأسر] العبودية. قال الحسن: " ذكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة إلا كانت فداءه من النار. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقاب أيها أعظم أجراً؟ فقال: " أكثرها ثمناً " ". وقال صلى الله عليه وسلم: " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار ". ثم خير أيضاً في اقتحام العقبة، [فقال]: { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ }. أي: وهو أيضاً أن يطعم في يوم ذي مجاعة يتيماً لا أب له من قرابتك والمقربة والقرابة واحد. قال ابن زيد: { ذَا مَقْرَبَةٍ }. " ذا قرابة ". ثم قال تعالى: { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }. أي: ذا [لصوق] بالتراب قال مجاهد: { ذَا مَقْرَبَةٍ }: " ليس له مأوى إلا التراب " ، يعني: المسكين المطروح في التراب ليس له شيء يقيه من التراب. وقيل: معناه: أو مسكينا ذا فقر، من قولهم " ترب الرجل " إذا افتقر. وعن ابن عباس: { ذَا مَتْرَبَةٍ }: كثير الحاجة، وقاله ابن زيد. وعن ابن عباس أيضاً: { ذَا مَتْرَبَةٍ }: ذا عيال وكبر سن ليس بينك وبينه قرابة وقاله ابن جبير. وقال الضحاك: { ذَا مَقْرَبَةٍ } " ذا عيال لاصقين بالأرض من المسكنة ". وعن ابن عباس: { ذَا مَتْرَبَةٍ }: هو الرجل يخرج إلى حاجته ثم يرد وجهه منقلباً إلى بيته يستيقن أن ليس فيه إلا التراب. وقال سفيان: هم المطروحون في ظهر الطريق، لا بيت لهم. [يقال]: تربت يد الرجل: إذا افتقر، أي: ليس يحصل في يده إلا التراب. وقوله صلى الله عليه وسلم: " فعليك بذات الدين تربت يمينك " ، معناه: افتقرت يمينك إن فاتتك، أي: لا يحصل في يمينك إلا التراب إن [فاتتك]. ونظيره: " [وللعاهر] الحجر " ، أي: لا يحصل في يد الزاني بأمة على فراش غيره من الولد إلا التراب، أي: لا شيء (له) فيه.