الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } ، إلى قوله: { ٱلْفَاسِقِينَ }.

والمعنى: الذين يعيبون الذين تطوعوا بصدقاتهم على أهل المسكنة والحاجة فيقولون لهم: إنما تصدقون رياءً وسمعةً، ولم تريدوا وجه الله عز وجل.

{ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ }.

أي: من المؤمنين، ومن { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ } ، عطفه على { ٱلْمُطَّوِّعِينَ } ، لأنَّ الاسم لم يتم، إذ قوله: { فَيَسْخَرُونَ } في الصلة عطف على { يَلْمِزُونَ }.

و " الجُهْدُ و " الجَهْدُ " عند البصريين [بمعنى]، لغتان.

وقال بعض الكوفيين: الجُهدُ، بالضم: الطاقة، وبالفتح: المشقة.

والسُّخْريُّ من الله: الجزاء على فعلهم.

قال ابن عباس: جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء رجل من الأنصار بصاع من طعام، فقال بعض المنافقين: و [الله] ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إلا رياءً، وقالوا: إن كان الله ورسوله لَغَنِيَّيْن عن هذا الصاع. فأنزل الله عز وجل: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } ، يعني: عبد الرحمن بن عوف، { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } ، يعني: الأنصاري الذي أتى بصاع من شعير.

وقال ابن عباس: " جاء عبد الرحمن بمائة أوقية من ذهب، وترك لنفسه مائة، وقال: مالي ثمانية آلاف، أما أربعة آلاف فأُقرضُها الله، وأما أربعة آلاف فلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " بارك الله [لك] فيما أمسكت وما أعطيت " فلمزه المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن بن عوف عطيته إلا رياء، وهم كاذبون، فأنزل الله عز وجل، عذره ".

وقال قتادة: جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف صدقته، وجاء رجل من الأنصار، يكنى بأبي عقيل، بصاع من تمر لم يكن له غيره، فقال: يا رسول الله، آجرت نفسي بصاعين، فانطلقت بصاع إلى أهلي / وجئت بصاع من تمر، فلمزهُ المنافقون، وقالوا: إن الله غنيٌّ عن طياع هذا، فنزل فيه: { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ }.

قال ابن زيد: أمر النبي صلى الله عليه وسلم [المسلمين] أن يتصدَّقوا، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فأَلْفَى مالي ذلك كثيراً، فأخذت نصفه، فجئت أحمل مالاً كثيراً، فقال له رجل من المنافقين: تُرائي يا عمر، فقال: نعم أُرائي الله ورسوله، وأما غيرهما فلا، وأتى رجل من الأنصار لم يكن عنده شيء، فآجر نفسه بصاعين، فترك صاعاً لعياله، وجاء بصاع يحمله، فقال له بعض المنافقين: [إنّ] الله ورسوله عن صاعك لَغَنِيَّانِ، فأنزل الله عز وجل، عُذْرهما في قوله: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ }.

ثم قال لنبيه عليه السلام، استغفر لهؤلاء المنافقين، أي: ادع الله لهم بالمغفرة أو لا تدع لهم بذلك، فلفظه لفظ الأمر ومعناه الجزاء، والجزاء خبر.

السابقالتالي
2