الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

قوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ، إلى قوله: { مُجْرِمِينَ }.

المعنى: ولئن سألتهم، يا محمد، عما قالوه من الباطل، ليقولن: إنما قلنا ذلك لعباً وخوضاً وهزؤاً، { قُلْ } ، يا محمد، لهم: { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } ، هذا توبيخ وتقريع لهم.

قال الفراء: أنزلت في ثلاثة نفر، استهزأ رجلان منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، و/ القرآن، وضحك إليهما الثالث، فنزلت: { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } ، يعني: الضاحك، { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } ، يعني المستهزئين. فـ " الطائفة " تقع للواحد والاثنين.

وذكر أبو الحسن الدَّارَقُطِني في كتاب الرواة عن مالك أنّ اسماعيل بن داود المخراقي روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر، أنه قال: رأيت عبد الله بن أُبيٍ يشتد قدام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحجارة تنكيه وهو يقول: يا محمد، إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ }.

ثم قال تعالى: { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ، أي: كفرتم بقولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا متصل بقوله: { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ }.

{ لاَ تَعْتَذِرُواْ } ، وهو الوقف عند نافع.

{ نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ، وقف.

وَيُرْوَى أنَّ هذه الآية نزلت في رهط من المنافقين، كانوا يرجفون في غزوة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى تبوك ويُخَوّفون المسلمين من الروم، فسألهم النبي عليه السلام عن قولهم، فقالوا: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }.

وقال قتادة: نزلت في أُنَاس من المنافقين، قالوا في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشأم وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع الله عز وجل، نبيه عليه السلام، على ذلك، فأتاهم النبي فقال: قلتم كذا كذا. فقالوا: يا نبي الله: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }.

وقال ابن جبير: قال ناس من المنافقين في غزوة تبوك: لئن كان ما يقول حقاً لنحن شرٌّ من الحمير، فأعلم الله عز وجل، نبيه عليه السلام، بذلك، فقال لهم: ما كنتم تقولون، فقالوا: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }.

ثم قال تعالى: { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } " الطائفة " التي عفا عنها هاهنا، رجل منهم كان قد أنكر ما سمع، يُسمّى: مَخشِي بن حُمَيّر الأَشْجَعِي.

وقيل: إنَّه أقر على نفسه وصاحبيه بما قالوا نادماً تائباً، فهو " الطائفة " المعفو عنها.

فالمعنى: { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } ، بإنكار ما أنكر عليكم من قول الكفر { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } بقولهم ورضاهم بالكفر، واستهزائهم بالله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وآياته.

وقيل: المعنى، إن تتب طائفة منكم، يعف الله عز وجل، عنها، تعذب طائفة بترك التوبة.

قال أبو إسحاق: كانت الطائفتان ثلاثة نفر، استهزأ اثنان، وضحك واحد.

{ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }.

أي: باكتسابهم الجرم، وهو الكفر بالله، سبحانه، والطعن على رسوله عليه السلام.