الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ } ، الآية.

{ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ }: نصب على الحال.

وقال علي بن سليمان: نصبه على المصدر، والمعنى { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، فخرج { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ }.

مثل:وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ [مِّنَ ٱلأَرْضِ [نَبَاتاً] } [نوح: 17]....

ومعنى الآية: أنها إعلام] من الله لأصحاب النبي عليه السلام، أن الله، عز وجل، قد تكفل بنصره على أعدائه في كل وقت، وحين: { أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: قريشاً، مفرداً مع صاحبه أبي بكر، { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } ، يعني [النبي] عليه السلام، يقول لأبي بكر: { لاَ تَحْزَنْ } ، ذلك أن أبا بكر خاف من أن يعرف مكانه، فمكث النبي عليه السلام، وأبو بكر في الغار ثلاثة أيام.

والغار بجبل يسمى: " ثوراً ".

وكان عامر بن فهيرة في غنم لأبي بكر بـ: " ثور " هذا، يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم، بالغار، وكان أبو بكر قد أرسله بتلك الغنم إلى " ثور " قبل خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة.

قال أبو بكر رضي الله عنه: " بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، [في الغار] وأقدام المشركين فوق رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا، قال: " يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَينِ اللهُ ثَالِثُهُما " ".

والمعنى: الله ثالثهما، بالحفظ والكلاءة والمنع منهما.

وفي فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مع أبي بكر سُنّةٌ لكل من خاف من أمر لا قوام له به، أن يفر منه، ولا يُعرّض نفسه إلى ما لا طاقة له به، اتباعاً لفعل نبيه، عليه السلام، ولو شاء الله، عز جل، أن يسكنه معهم، ويُعمي أبصارهم عنه لفعل، ولو شاء لمشى بين أيديهم ولا يرونه، ولو شاء أن يهلكهم بما أرادوا أن يفعلوا لفعل، ولم يكن ذلك عليه عزيزاً، ولكن أراد [الله] تعالى، أن يبلغ الكتاب أجله، ولتستنَّ بفعله صلى الله عليه وسلم، أمتُه بعده.

وفي فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر دليلٌ على فساد قول من قال: من خاف شيئاً سوى الله عز وجل، لم يوقن بالقدر. فحذر أبي بكر من أن يراهم المشركون دليل على الحذر من قدر الله، عز وجل، لم يوقن بالقدر. فقال ذلك، رضي الله عنه، إشفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يُنَالَ بأذى أو يُفْتَنَ هو في دينه إن قدر عليه، فخف من ذلك، مع علمه أنّ الله عز وجل، بالغ أمره فلي كل ما أراد. وقال الله حكاية عن موسى، عليه السلام.

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [طه: 67]

السابقالتالي
2