قوله: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } ، الآية. قوله: { كَآفَّةً }. مصدر مثل: " عافاه الله عافيةً " ، ومثله: " عامَّةً " و " خاصَّةً " ، فـ: { كَآفَّةً } كـ: " العافية " و " العاقبة " ، ولا تدخل فيهما " الألف واللام " ، كما لم تدخلا في " معاً " و " جميعاً ". ومعنى الآية: إن الله قدر أنّ السنة اثنا عشر شهراً في كتابه الذي سبق فيه ما هو [كائن] إلى يوم القيامة، منها أربعة حرم، وهن: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، وكان القتال فيها حراماً حتَّى نزل في " براءة " قتال المشركين. و { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ }. أي: المستقيم، إنها اثنا عشر شهراً. وقيل { ٱلدِّينُ } هنا: الحساب، أي: الحسابُ المستقيم. وقال ابن عباس معناه: ذلك القضاء القيم. وقوله: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }. أي: لا تستحلوا ما حرم الله عز وجل. قال ابن عباس: { فِيهِنَّ } يعني كلهن. قال ابن عباس: { فِيهِنَّ } ، يعني: كلهن. وهو قول مقاتل بن حيان، والضحاك، جعلاً الضمير يعود على: { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً }. وليس قوله: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } إذا جعلناه الأربعة الأشهر بمبيح لنا أن نظلم أنفسنا في غير الأربعة الأشهر، ولو كان ذلك كذلك لكان قوله:{ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31] دليلاً على إباحة قتلهم إذا لم يخشوا إملاقاً، ولكان قوله:{ وَٱلْفُلْكِ [ٱلَّتِي] تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } [البقرة: 164] دليلاً على أنها لا تجري بما يضر الناس، وهي تجري بما ينفع وما يضر. وأصل هذا: أن كلَّ نهي إنما يوجب الامتناع عما نهى عنه دون غيره، وكل أمر فهو نافٍ لأضداده فإذا قلت: " قُمْ " ، فقد أمرته بترك أضداد القيام من القعود والاضطجاع، وإذا قلت: " لا تَقُمْ " ، فلم تنهه عن الاضطجاع ولا عن الاتكاء ولا عن شيء من أضداده، فاعلمه. فالنهي عن الشيء لا يكون نهياً عن أضداد ذلك الشيء، والأمر بالشيء أمر عن أضداد / ذلك الشيء على ما بينا، فافهمه. وقال قتادة، وغيره: { فِيهِنَّ } في الأربعة الحرم، جعل الذنب فيهن أعظم منه في غيرهن. وأكثر ما تستعمل العرب " الهاء " و " النون " فيما دون العشرة، و " الهاء " و " الألف " في ما جاوز العشرة. فالظلم في جميعها لا يجوز، ولكن هو فيها أعظم وزراً لشرفها، فلذلك خصها بالذكر، تعالى، وهذا كقوله:{ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } [البقرة: 238] أفردها بعد أن ذكرها مجملة لشرفها، وليس إفرادها بالمحافظة يدل على ترك المحافظة فيما سواها، فكذا هذا. وقال ابن إسحاق المعنى: لا تجعلوا حرامها حلالاً ولا حلالها حراماً، تعظيماً لها، فإنما نهوا عن " النسئ " الذي المشركون يصنعونه. { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً }. أي: جميعاً. ومعنى { كَآفَّةً } ، أي: يكف بعضهم بعضاً عن التخلف كما يفعلون. { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }. أي: مع من اتقى أمره ونهيه وأطاعه. ومن جعل { فِيهِنَّ } يعود على: " الاثنا عشر شهراً " وقف على: { ٱلْقَيِّمُ } ، ومن جعله يعود على: " الأربعة الحرم " وقف على: { أَنْفُسَكُمْ } ، وهو قول نافع والأخفش. والأول قول أبي حاتم ويعقوب.