الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } ، الآية.

قوله: { كَآفَّةً }.

مصدر مثل: " عافاه الله عافيةً " ، ومثله: " عامَّةً " و " خاصَّةً " ، فـ: { كَآفَّةً } كـ: " العافية " و " العاقبة " ، ولا تدخل فيهما " الألف واللام " ، كما لم تدخلا في " معاً " و " جميعاً ".

ومعنى الآية: إن الله قدر أنّ السنة اثنا عشر شهراً في كتابه الذي سبق فيه ما هو [كائن] إلى يوم القيامة، منها أربعة حرم، وهن: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، وكان القتال فيها حراماً حتَّى نزل في " براءة " قتال المشركين.

و { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ }.

أي: المستقيم، إنها اثنا عشر شهراً.

وقيل { ٱلدِّينُ } هنا: الحساب، أي: الحسابُ المستقيم.

وقال ابن عباس معناه: ذلك القضاء القيم.

وقوله: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }.

أي: لا تستحلوا ما حرم الله عز وجل.

قال ابن عباس: { فِيهِنَّ } يعني كلهن.

قال ابن عباس: { فِيهِنَّ } ، يعني: كلهن.

وهو قول مقاتل بن حيان، والضحاك، جعلاً الضمير يعود على: { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً }.

وليس قوله: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } إذا جعلناه الأربعة الأشهر بمبيح لنا أن نظلم أنفسنا في غير الأربعة الأشهر، ولو كان ذلك كذلك لكان قوله:وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [الإسراء: 31] دليلاً على إباحة قتلهم إذا لم يخشوا إملاقاً، ولكان قوله:وَٱلْفُلْكِ [ٱلَّتِي] تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } [البقرة: 164] دليلاً على أنها لا تجري بما يضر الناس، وهي تجري بما ينفع وما يضر.

وأصل هذا: أن كلَّ نهي إنما يوجب الامتناع عما نهى عنه دون غيره، وكل أمر فهو نافٍ لأضداده فإذا قلت: " قُمْ " ، فقد أمرته بترك أضداد القيام من القعود والاضطجاع، وإذا قلت: " لا تَقُمْ " ، فلم تنهه عن الاضطجاع ولا عن الاتكاء ولا عن شيء من أضداده، فاعلمه.

فالنهي عن الشيء لا يكون نهياً عن أضداد ذلك الشيء، والأمر بالشيء أمر عن أضداد / ذلك الشيء على ما بينا، فافهمه.

وقال قتادة، وغيره: { فِيهِنَّ } في الأربعة الحرم، جعل الذنب فيهن أعظم منه في غيرهن.

وأكثر ما تستعمل العرب " الهاء " و " النون " فيما دون العشرة، و " الهاء " و " الألف " في ما جاوز العشرة.

فالظلم في جميعها لا يجوز، ولكن هو فيها أعظم وزراً لشرفها، فلذلك خصها بالذكر، تعالى، وهذا كقوله:وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } [البقرة: 238] أفردها بعد أن ذكرها مجملة لشرفها، وليس إفرادها بالمحافظة يدل على ترك المحافظة فيما سواها، فكذا هذا.

وقال ابن إسحاق المعنى: لا تجعلوا حرامها حلالاً ولا حلالها حراماً، تعظيماً لها، فإنما نهوا عن " النسئ " الذي المشركون يصنعونه.

{ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً }.

أي: جميعاً.

ومعنى { كَآفَّةً } ، أي: يكف بعضهم بعضاً عن التخلف كما يفعلون.

{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }.

أي: مع من اتقى أمره ونهيه وأطاعه.

ومن جعل { فِيهِنَّ } يعود على: " الاثنا عشر شهراً " وقف على: { ٱلْقَيِّمُ } ، ومن جعله يعود على: " الأربعة الحرم " وقف على: { أَنْفُسَكُمْ } ، وهو قول نافع والأخفش. والأول قول أبي حاتم ويعقوب.