الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } ، إلى [قوله]: { مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }.

قوله: { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ }.

{ وَٱلَّذِينَ }: في موضع رفع عطف على الضمير في: " يأكلون " ، فيكون التقدير: { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } ، ويأكلها معهم الذين يكنزون الذهب.

وقيل: { ٱلَّذِينَ }: في موضع رفع بالابتداء.

ومعنى الآية: يا أيها الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، إن كثيراً من أحبار اليهود والنصارى ورهبانهم، وهم: علماؤهم وعبادهم. وقيل { ٱلأَحْبَارِ }: القراء: { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } ، ويأكلها معهم { ٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ } ، وذلك الرُّشى في الحكم، وفي تحريف كتاب الله عز وجل، يكتبون بأيديهم كتباً، ويقولون: هذا من عبد الله، يأخذون بها ثمناً قليلاً، { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، أي: يمنعون من أراد الدخول في الإسلام.

و " الكَنْزُ ": كل مَالٍ وجبت فيه الزكاة، فلم تُؤَدَّ زكاته.

وقوله: { وَلاَ يُنفِقُونَهَا }.

أي: لا يؤدون زكاتها.

قال ابن عمر: كل ما مَالٍ أُدِّيتُ زكاته ليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكلُّ مالٍ لم تُؤدّ زكاته، فهو كنز يكوى [به] صاحبه، وإن لم يكن مدفوناً.

ورُوي عن علي رضي الله عنه: أربعة آلاف درهم فما دونها " نفقة " / فإن زادت فهو " كنز " ، أدّيت زكاته أو لم تُؤد.

قال ابن عباس: هي خاصة للمسلمين لمن لم يؤدِّ زكاته منهم، وهي عامة في أهل الكتاب، من أدى الزكاة ومن لم يؤدِّ؛ لأنهم لا تقبل منهم نفقاتهم وإن أنفقوا.

وقال عمر بن عبد العزيز: أراها مَنْسوخَةً بقوله:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103].

و " الكنْزُ " في كلام العرب: كل شيء جُمع بعضُه إلى بَعْضٍ.

قوله: { وَلاَ يُنفِقُونَهَا }.

ولم يقل: " يُنفقونهما " ، إنما ذلك لأن الضمير رجع على الكنوز، والكنوز تشتمل على الذهب والفضة.

وقيل: إن الضمير يرجع على: " الأموال " التي تقدم ذكرها أنها تؤكل بالباطل.

وقيل: الضمير يعود على: " الفضة " ، وحذف العائد على الذهب لدلالة الكلام عليه، كأنه قال: { وَلاَ يُنفِقُونَهَا } و " يُنفقونه " ، ثم حذف كما قال:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنتَ بِمَا   عِنْدكَ رَاضٍ....
وقيل الضمير: " للذهب " ، وضمير " الفضة " محذوف، تقديره: { وَلاَ يُنفِقُونَهَا } و " يُنفقونها " ، والعرب تقول: " هي الذهب [الحمراء] " ، فتؤنث.

وقال معاوية: هذه الآية في أهل الكتاب خاصة.

وقوله: { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.

أي: اجعل موضع البشارة لهم عذاباً أليماً، أي: مؤلماً، بمعنى مُوجع.

وليس { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، بتمام؛ لأن { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا } ، منصوب بـ: { أَلِيمٍ }.

و (الضمير في { عَلَيْهَا } ، فيه من الوجوه، ما في: { يُنفِقُونَهَا } ، وكذلك الضمير في { بِهَا }.

السابقالتالي
2