الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ، إلى قوله: { وَهُمْ صَاغِرُونَ }.

ومعنى الآية: أن الله أمر المؤمنين أن يمنعوا المشركين من دخول المسجد الحرام.

وقوله: { نَجَسٌ }.

قال قتادة: " النَّجَسُ " هنا: الجُنُب.

وأصل " النَّجَسِ ": القذر. وإذا ذكرت قبل " النجس ": " الرجس " كسرت " النون " ، وأسكنت " الجيم " ، فقلت: هو رِجْسٌ نِجْسٌ على الاتباع.

وعنى بذلك: الحرم كله أن يمنعوا من دخوله، وعلى ذلك قال عطاء: الحَرَمُ كُلُّهُ قِبْلَةٌ وَمَسْجِدٌ.

وَبِظَاهِرِ هذه الآية يجب على المشرك إذا أسلم أن يغتسل، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وهو مذهب مالك، وابن حنبل، ولم يوجبه الشافعي واستحبه، قال: إلاَّ أن يكون يعلم أنه جنُبٌ فعليه أن يغتسل.

وقال الثوري، والشافعي: ثياب المشركين على الطهارة حتى تعلم النجاسة، واستحبا غسل الإزار والسراويل.

وقال مالك: إذا صلى في ثوب كان المشرك يلبسه، أعاد من الصلاة ما كان في وقته.

وأكثَرُهُمْ على أن لا بأس بالصلاة فيما نسجوا، وهو مذهب مالك.

وهذه الآية نَاسِخَةٌ، لما كان النبي عليه السلام، قد صالح عليه المشركين أن لا يَمْنَع أحد من البيت.

قال مالك: يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم، ودخول كل المساجد. وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقتادة.

وقال الشافعي: يمنع المشركون جميعاً من دخول الحرم، ولا يمنعون من دخول سائر المساجد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام، ولا من غيره، ولا يمنع من ذلك إلا المشركون أهل الأوثان.

وقول الله عز وجل، في اليهود والنصارى:ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً [مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِّن دُونِ ٱللَّهِ] } [التوبة: 31] الآية، يدلُّ على جوازهم تسميتهم مشركين، وقد نصّ الله على ذلك بقوله: { عَمَّا يُشْرِكُونَ } في آخر الآية.

وقوله: { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا }.

هو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه، بالناس، ونادى عليّ بـ: " براءة " في الموسم، / وذلك لتسع سنين مضين من الهجرة، وحجَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَدَاعِ في العام المقبل سنة عشر من الهجرة.

وقوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً }.

[أي]: إن خفتم، أيها المؤمنون، فقراً، بمنعنا المشركين أن يأتوكم إلى الحرم بالتجارات، { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، فأغناهم الله بأخذ الجزية منهم بقوله: { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، إلى قوله: { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ }.

وقيل: أغناهم بإدْرَارِ المطر عليهم.

قال ابن عباس: ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزن، عن منع المشركين من دخول الحرام، وقال لهم: من أين تأكلون، وقد انقطعت عنكم العير؟ فأنزل الله عز وجل:

{ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } الآية.

السابقالتالي
2