الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

قوله: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللهِ } ، إلى قوله: { ٱلْمُهْتَدِينَ }.

والمعنى: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله؛ لأنهم ليسوا ممن يذكر الله، والمساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة، فليس لهم أن يعمروها.

{ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ }.

فيه ثلاثة تأويلات.

أحدها: أن فيما يقولونه ويفعلونه دليل على كفرهم، كما يدل على إقرارهم، فكأنَّ ذلك منهم شهادتهم على أنفسهم. قاله الحسن.

والثاني: شهادتهم على رسولهم بالكفر؛ لأنهم كذبوه وأكفروه وهو من أنفسهم. قاله الكلبي.

والثالث: ما ذكره في الكتاب، وهم يشهدون على أنفسهم بالكفر؛ لأنهم يقال للرجل منهم: أيش أنت؟ فيقول: نصراني، يهودي، صابئ، مشرك.

{ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }.

في الدنيا، أي: بطلت وذهبت، إذ لم تكن لله، عز وجل، وكانت للشياطين.

{ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ }.

أي: ماكثون أبداً، لا أحياءً ولا أمواتاً.

ومن قرأ: { مَسَاجِدَ اللهِ } بالتوحيد، عَنَى به: المسجد الحرام، ودليله قوله:فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [التوبة: 28]، وقوله:وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [التوبة: 19].

ومن جمع، أراد: جميع المساجد، ودليله قوله: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } فجمع ولم يُخْتَلفْ فِيهِ.

والجمع: يستوعب المسجد الحرام وغيره، والتوحيد: يخص المسجد الحرام وحده، ولا يجوز لمن وَحَّدَ أن يريد به الجنس؛ لأنه مضاف، والمضاف موقت محدود.

ثم قال: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ }.

أي: إنما يعمرها من صدق بالله ورسوله، وما أتت به الرسل.

{ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } ، (أي): فحقيق أن يكون من هذه صفته من المهتدين.

وكل " عسى " في القرآن من الله فهي واجبة.

ونزلت هذه الآية في قريش؛ لأنهم كانوا يفتخرون، فيقولون: نحن أهل الحَرَم وسقاة الحاجِّ، وعُمّار هذا البيت، فأنزل الله عز وجل، صِفة من يجب أن يعمر مساجد الله، سبحانه.