الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } إلى قوله: { مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }.

المعنى: لم يكن لهم ليفعلوا ذلك، فظاهره خبر ومعناه نهي، أي: ما كان لهم أن يفعلوا ذلك، أي: لا يفعلوه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث قوماً، ليعلموا الناس الإسلام، فلما نزل قوله: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، الآية، رجع أولئك من البوادي إلى النبي عليه السلام، خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه.

فأنزل الله، عز وجل، عذرهم: { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } ، وكره انصرافهم من البادية إلى المدينة، قال ذلك مجاهد.

ثم قال تعالى: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، هَلاَّ أتى للخروج من هؤلاء الذين يعلمون الناس { مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، ويبقى الباقون ليتفقه أهل البوادي في الدين { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } ، أي: يخبرونهم بما تعلموا { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ، مخالفة أمر الله، سبحانه.

وقال ابن عباس المعنى: ما كان المؤمنون لينفروا في غزوهم جميعاً، ويتركوا نبيهم عليه السلام، { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، يعني: السرايا، فلما رجعت السرايا، ونزل بعدهم قرآن، تعلمه القاعدون من النبي عليه السلام، قالوا للسرايا: إن الله عز وجل، قد أنزل على نبيكم عليه السلام، قرآنا بعدكم / وقد تعلمناه. فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل بعدهم، ويمضي الآخرون الذين كانوا مقيمين للسرايا، فذلك قوله: { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ }.

فمعنى الكلام: فهلاَّ نفر من كل فرقة طائفة لتيفقه المتخلفون في الدين { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } ، أي: ليعلم القاعدون القادمين من السرايا ما تعلموا في مغيبهم، وهو قول قتادة.

وقال: هذا في الجيوش أمرهم الله [أن] لا يُعَرُّوا نبيهم عليه السلام، وأن تقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتفقه في الدين وتنطلق طائفة تدعو قومها إلى الله سبحانه، فإذا رجعوا علمهم المقيمون ما نزل بعدهم.

ومثل ذلك قال الضحاك.

وعن ابن عباس أيضاً: أنها ليست في الجهاد، ولكن لما دعا النبي عليه السلام، [على مُضر] بالسنين أجدبت بلادهم، فكانت القبيلة منهم تُقبل بأسرها إلى المدينة يعتلون في إقبالهم بالإسلام وليس كذلك، إنما بهم الجَهْد الذي نزل بهم، فأخبر الله، عز وجل، نبيه عليه السلام، أنهم ليسوا من المؤمنين، وأنهم لو كانوا مؤمنين ما أتوا بأجمعهم، ولكن يأتي بعضهم يتفقه في الدين، ويعود فينذر من بقي لعله يحذر ما حرم الله سبحانه، فإتيانهم بجماعتهم يدل على أنهم إنما أتوا من أجل الجَهْد لا من أجل الإيمان.

وقال عكرمة: إنما هو تكذيب للمنافقين، وذلك أنه لما نزل: { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، الآية، قال المنافقون: هلك من تخلف، فألحقوا من عذره الله في التخلف بمن لم يعذره الله سبحانه، فأنزل الله عز وجل، عذراً ثانياً لمن تخلف من الأعراب بعذر، فقال { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً }.

السابقالتالي
2