وقوله: { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } ، إلى قوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. والمعنى: { وَقُلِ } ، يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم: { ٱعْمَلُواْ } ، أي: اعملو بما يرضي الله، { فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ } ، وسيراه رسوله والمؤمنون، في الدنيا، { وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } ، أي: تردون يوم القيامة، إلى الله الذي يعلم السر والعلانية، { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أي يخبركم بعملكم، ويجازيكم عليه جزاء المحسنين أو جزاء المسيء. وقال مجاهد: الآية وعيد من الله. و { فَسَيَرَى ٱللَّهُ } ، من رؤية العين. ثم قال تعالى: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ }. هذا معطوف على ما قبله. والمعنى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } قوم { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } ، ومنهم { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } ، ومنهم { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ }. فالتقدير: من هؤلاء المتخلفين عنكم، { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } ، وقضائه فيهم. { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ }. وهم قوم تخلفوا ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وندموا على ما صنعوا، فتاب الله عليهم، إذ علم صحة توبتهم وندمهم، فقال:{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } [التوبة: 117]، إلى قوله:{ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [التوبة: 118]. قال ابن عباس: لما نزل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } ، يعني: أبا لُبابة وصاحبيه، يعني: الثلاثة الذين لم يربطوا أنفسهم، ولم يظهروا التوبة، فلم يذكروا بشيءٍ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فـأنزل الله، عز وجل: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ } ، الآية، فيهم فجعل الناس يقولون: هلكوا، إذ لم ينزل فيهم عُذْرٌ. وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم، فصاروا مرجئين، لا يقطع لهم بشيء، حتى نزل: { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } ، إلى قوله: { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ، ثم قال تعالى: { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } يعني: الثلاثة الذين أُرْجُوْا، إلى قوله: { هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }. وقال عكرمة: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ }: هم الثلاثة الذين خُلَّفُوْا. والثلاثة في قول مجاهد: هلال بن أمية، ومُرارةَ بن الربيع، وكعب بن مالك، الثلاثة من الأوس. وقال الضحاك: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } ، هم الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن التوبة، يعني: توبة أبي لُبابة وصاحبيه، فضاقت عليهم الأرض، وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيهم فئتين، فئة تقول: هلكوا، وفئة تقول: عسى الله أن يعفو عنهم، فأنزل الله / عز وجل: { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم حتى نزلت توبتهم. وقوله: { إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ }. ومعناه: إما يحجزهم عن التوبة، فيعذبهم، وإما يوفقهم فيتوب عليهم. { حَكِيمٌ } ، وقف، على قراءة من قرأ: { ٱلَّذِينَ } ، بغير واو. وغير وقف على قراءة من قرأ: { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } بالواو.