الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } * { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ } ، إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

ومعنى الآية: ومن القوم الذين حولكم، أي: حول المدينة { مُنَٰفِقُونَ } ، أي: قوم منافقون.

{ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ }.

أي: دربوا عليه وخَبُثُوْا.

وقيل معناه: عتوا، على النفاق. من قولهم: " شَيْطانٌ مَارِدٌ " أي: عاتٍ.

{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ }.

أي: من أهلها مثلهم.

وقيل: المعنى: ومن أهل المدينة قوم { مَرَدُواْ }. فلا يكن في الكلام على هذا تقديم ولا تأخير. وعلى القول الأول يكون فيه تقديم وتأخير.

قال ابن زيد { مَرَدُواْ }: أقاموا عليه، ولم يتوبوا.

وقال ابن إسحاق { مَرَدُواْ } ، عليه، أي: لجوا فيه وأبوا غيره.

{ لاَ تَعْلَمُهُمْ }.

أي: لا تعلمهم يا محمد، بصفتهم.

{ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ }.

قيل: هما فضيحتهم في الدنيا وإظهار سرائرهم، ثم عذاب القبر، ثم يردون إلى عذاب الآخرة. قاله ابن عباس. وذكر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخرج قوماً من المسجد يوم الجمعة، فقال: اخرج يا فلان، فإنك منافق، لناس منهم، فهذا عذابهم الأول، والثاني: عذاب القبر.

وقال مجاهد هما: عذاب السيف بالقتل وعذاب الجوع.

والآخر: عذاب القبر، ثم عذاب الآخرة.

وقال ابن زيد: العذاب الأول، عذابهم بالمصائب في أموالهم وأولادهم، والآخر: عذاب النار.

وقيل الأول: أخذ الزكاة من أموالهم، وإجراء الحدود عليهم، وهم غير راضين، والآخرة: عذاب القبر.

ثم قال تعالى: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً }.

والمعنى: ومنهم آخرون، أي: من أهل المدينة منافقون آخرون، { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } ، أي: أقروا بها: { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } ، هو إقرارهم وتوبتهم، { وَآخَرَ سَيِّئاً } ، هو تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.

والواو [في] قوله: { وَآخَرَ } ، بمعنى: " مع " عند البصريين، كما تقول: " استوى الماء والخشبة ".

وقال قوم: هي بمعنى: " الباء " ، وقدروا " الواو " في " والخشبة " بمعنى: بالخشبة.

وأنكر الكوفيون أن يكون هذا بمنزلة " استوى الماء والخشبة "؛ لأن هذا لا يجوز فيه تقديم الخشبة على الماء، وإنما هو عندهم بمنزلة " خلطت الماء واللبن " ، أي: باللبن، فكل واحد منهما يجوز أن يتقدم، مثل الآية.

قال ابن عباس: " نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، فلما رجع النبي عليه السلام أوثق سبعَةٌ منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي عليه السلام إذا رجع في المسجد عليهم. فلما رآهم قال: من هؤلاء؟

قالوا: أبو لُبابة وأصحابٌ له تخلفوا عنك، يا رسول الله، حتى تطلقهم وتعذرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم، رغبوا عني، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين ". فلما بلغهم ذلك قالوا: / ونحن والله لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله الذي يطلقنا. فأنزل الله عز وجل: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } الآية.

فأطلقهم النبي عليه السلام، و { عَسَى } من الله واجبة ".


السابقالتالي
2