الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

قوله: { بَرَآءَ } ، مبتدأ والخبر: { إِلَى ٱلَّذِينَ } ، وحَسُنَ الابتداء بِنَكِرَةٍ، لأنها موصوفة.

ويجوز أن تكون رفعت على إضمار مبتدأ، أي: هذه براءة.

يقال: بَرِئْتُ من العهد براءةً، وبَرِئْتُ من المرض وبَرَأْتُ [أيضاً] بُرْءاً، وَبَرَيْتُ القلم بَرْياً، غير مهموز مفتوح وأَبْرَيْتُ الناقة: جعلت في أنفها بُرَةً وهي حلقة من حديد.

وسورة " براءة " من آخر ما نزل بالمدينة، ولذلك قلّ المنسوخ فيها.

ويدل على ذلك أن ابن عباس قال لعثمان، رضي الله عنهما: ما حملكم على أن عمدتم إلى " الأنفال " وهي من المثاني، وإلى " براءة " وهي من المئين ففرقتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما: " بسم الله الرحمن الرحيم " ووضعتموهما في السبع الطُّوَل؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنزل عليه السور ذوات العدد، فإذا نزلت عليه الآية قال: " اجعلوها في سورة كذا وكذا " ، وكانت " الأنفال " من أول ما نزل بالمدينة، وكانت " براءة " من آخر ما نزل، وكانت قصتها تشبه قصتها، ولم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذلك شيئاً، فلذلك فرق بينهما ولم يكتب بينهما سطر " بسم الله الرحمن الرحيم ".

ورُوي أن عثمان قال: ظننت أنها منها. وكانت تُدْعَيَانِ في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: القرينتَين، فلذلك جعلتهما في السبع الطُّوَلِ.

ففي قول عثمان هذا: دليل على أن تأليف القرآن عن الله، عز وجل، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان، ويدل على أن ترتيب السور على ما في المصحف إنما كان على اجتهاد من عثمان وأصحابه، ألا ترى إلى قول ابن عباس له: ما حملكم على كذا وكذا؟ يدل على أنهم هم رتبوا السور، وأن تأليف السور إلى تمام كل سورة كان على تعليم النبي عليه السلام إياهم ذلك.

وقد صح أن أبيَّ [بن] كعب، وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل، وأبا زيد عم أنس، كانوا قد جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشعبي: وأبو الدرداء حفظ القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومُجَمَّع ببن جارية، بقيت [عليه] سورتان [أَ]وْ ثلاث. قال: ولم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان.

وحفظ سالم مولى أبي حذيفة القرآن في عهد النبي عليه السلام إلا شيئاً بقي عليه.

فهذا يدل على أنه كان مؤلفاً؛ لأن هؤلاء لم يحفظوه إلا وهو مؤلَّف مرتَّبٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، صلوات الله عليه، جل ذكره.

وقال أبي بن كعب: آخر ما نزل " براءة " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر في أول كل سورة بـ: " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ولم يأمر في سورة " براءة " بشيء، فلذلك ضُمّت إلى سورة " الأنفال " ، وكانت أولى بها لشبهها بها.

السابقالتالي
2 3 4 5