قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } إلى آخرها. أي: قد أتاك - يا محمد - حديث الغاشية، وهي القيامة تغشى الناس بقيامها وأهوالها. وقال ابن جبير: الغاشية جهنم. ثم قال تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ }. أي: ذليلة، وهي وجوه الكفار. قال قتادة: " خاشعة في النار ". ثم قال: { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ }. أي: هي عاملة ناصبة بمعنى: تعمل وتنصب في الدنيا، وهي تصلى ناراً حامية في الآخرة. وهذا القول يُروى عن عمر رضي الله عنه. ولا يتم الكلام [على] [ناصبة] أو (على) { خَاشِعَةٌ } ويجوز أن يكون في الكلام تقديم وتأخير على هذا القول، والتقدير: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا يومئذ خاشعة. وقيل: الآية نزلت في عبدة الأوثان والرهبان من أهل الكتاب، أنصبوا أنفسهم وأتعبوها بالعمل ولم يتقبل منهم، لأنهم على غير إسلام. وقال عكرمة: (معناه): عاملة في الدنيا بمعاصي الله، ناصبة في الآخرة في النار. فيتم الكلام على هذا القول على " عاملة ". وقال الحسن وقتادة: إن الوجوه في القيامة خاشعة عاملة ناصبة، وإنها (لما) لم تعمل في الدنيا لله أعملها الله في النار وأنصبها. فلا يتم الكلام من أوله على { نَّاصِبَةٌ } على هذا القول. قال ابن عباس: " تعمل وتنصب في النار ". وقال قتادة: " تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار ". وقال ابن زيد: " لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار ". وكان عمر رضي الله عنه يتأولها في الدنيا في البرهان وشبههم. يعملون في الدنيا، ويجتهدون، وهم في النار. ويكون الكلام يتم على { خَاشِعَةٌ } لأنه آخر صفتهم في يوم القيامة، ثم ابتدأ بصفتهم في الدنيا. وقيل: التقدير: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا { يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } يعني: في الآخرة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ذكر القدرية فبكى، وقال: إن فيهم المجتهد. وقوله: { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } أي: ترد ناراً قد حميت واشتد حرها. والإخبار في جميع ذلك عن الوجوه، والمراد به أصحابها، لأن المعنى مفهوم. ثم قال تعالى: { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً }. أي: [يسقى] يومئذ أصحاب هذه الوجوه (من عين قد) انتهى حرها فبلغ الغاية في شدة الحر. وقال مجاهد: من عين قد (أنى / نضجها) منذ خلق الله عز وجل الدنيا. وقال ابن زيد: { مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي: حاضرة. وقال تعالى: { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }. أي: (ليس) لأصحاب هذه (الوجوه) الخاشعة - وهم الكفار - طعام يطعمونه في النار إلا طعام من ضريع. قال ابن عباس: " الضريع: شجر من نار ". وقال ابن زيد: الضريع: الشوك من النار، والضريع عند العرب شوك يابس [ولا ورق فيه].