قوله: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ } ، إلى قوله: { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }. والمعنى: واذكروا، أيها المؤمنون { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } ، والطائفتان: إحداهما فرقة أبي سفيان والعير، والطائفة الأخرى: فرقة المشركين الذين خرجوا من مكة لمنع العير. وقوله: { أَنَّهَا لَكُمْ }. أي: أن ما معهم غنيمة لكم. وقوله: { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ }. أي: تحبون أن تكون لكم العير التي لا قتال فيها ولا سلاح دون / فرقة المشركين المقاتلة المسلحين. وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أحبوا أن يَظْفَروا بالعير، فأراد الله عز وجل، غير ذلك، أراد أن يَظْفَروا بالمقاتلة، فيكون ذلك أذل لهم وأخزى وأهيب في قلوب المشركين؛ لأن المسلمين لو ظَفِروا بالعير ولا مقاتلة معها ما كان في ذلك هيبة ولا ردعة عند المشركين، وإذا ظَفِروا بالمقاتلة وأهل الحرب والبأس كان ذلك أهيب وأروع لمن بقي منهم. و { ٱلشَّوْكَةِ }: السلاح. وقال أبو عبيدة: غير ذات الحد. يقال: فلان شَائِكٌ في السلاح وشَاكٌ، من الشِّكَةِ. وقال ابن عباس: " لما خُبِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي سفيان مُقْبلاً من الشَّأْم، ندب المسلمين إليهم، فقال: هذه عير قريش، فيها أموالٌ، أخرجوا إليها لعلّ الله أن يملككموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم؛ لأنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلقى حرباً، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفاً على أموال الناس، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان: " إن محمداً قد استنفر [أصحابه] لك ولِعِيرك " فَحَذِرَ عند ذلك، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه، فمضى ضَمْضَم. وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، في أصحابه، وأتاه الخبر عن قريش بخروجهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر، فقال فأحسن. وقام عمر، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ، ولكن اذهب (أنت) وربك فقاتلا، إِنَّا معكم مقاتلون! والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرْك الغِماد، يعنى: مدينة الحبشة، لجالدنا معك مَنْ دونه! ثم قالت الأنصار بعد ان استشارها: امض يا رسول الله، لما أمرت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى التقى بالمشركين ببدر، فسبقوا الماء، والتقوا، ونصر الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فَقُتِلَ من المشركين سبعون، وَأُسِرَ منهم سبعون، وغنم المسلمون ما كان معهم، وسلمت العير مع أبي سفيان، وكان قد أخذ بها الساحل، أسفل من موضع القتال، وهو قوله تعالى: { وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ".