قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } ، إلى قوله: { عَلِيمٌ حَكِيمٌ }. قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، ثم قال: { فِيۤ أَيْدِيكُمْ } ، إنما ذلك؛ لأن المعنى: قل لمن في يديك، ويدي أصحابك من الأسرى. وقيل المعنى: يا أيها النبي قل لأصحابك: قولوا لمن في أيديكم من الأسرى. وقيل: المخاطبة له مخاطبة لأمته. والمعنى: يا محمد، قل لمن في يديك ويدي أصحابك من الأسرى الذين أخذ منهم الفداء: { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } ، أي: إسلاماً، { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } ، في الفداء، ويغفر لكم ذنوبكم التي سلفت منكم، وقتالكم نبيكم، أي: يسترها عليكم، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } ، أي: ساتر لذنوب عباده إذا تابوا، { رَّحِيمٌ } ، بهم، أن يعاقبهم بعد التوبة. قال العباس بن عبد المطلب: فيَّ نزلت هذه الآية. وكان العباس فدى نفسه يوم بدر بأربعين أوقية من الذهب، قال العباس: فأعطاني الله أربعين عبداً، كلهم تاجر، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله عز وجل، بها. قال الضحاك: نزلت في العباس وأصحابه أُسروا يوم بدر، وهم سبعون. وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم بالأسارى المدينة، قال لعمه العباس: افد نفسك يا عم، وافد ابني أخويك، يعني: عقيل بن أبي طالب. ونوفل بن الحارث، وافد حليفك، يعني: عتبة بن عمرو من بني فهر، كان حليفاً للعباس. قال له العباس: يا رسول الله إني كنت مسلماً ولكن القوم استكرهوني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أعلم بإسلامك، أما ظاهرك فقد كان علينا ". وكان النبي عليه السلام، قد وجد مع العباس أربعين أُوقِيَّةً من ذهب، كل أوقية أربعون مثقالاً، فقال العباس: احسبها لي يا رسول الله في فدائي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ذلك مال أفاءه الله علينا، ولست أحسبه لك " ، فقال له العباس: مالي مال غيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عم، أنت سيد قريش وتكذب! فأين المال الذي دفنته بمكة عند أم الفضل بنت الحارث، ثم قلت لها: ما أدري ما يكون، فإن أُصبت في سفري فللفضل كذا وكذا، ولعبد الله كذا وكذا، فقال العباس: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله ما حضر ذلك أحد إلا الله وأم الفضل. ففدى العباس نفسه، وابنَيْ أخويه، وحليفه، ففي ذلك نزل: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ، الآية. فلما سمعها العباس، قال: قد أنصفني ربي: مَنَّ علي / بالإسلام، وغفر لي، ويعطيني خيراً مما أخذ مني.