قوله: { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ } ، إلى قوله: { ٱلخَائِنِينَ }. " إمّا ": للشرط، وتلزمه النون الشديدة توكيداً، لدخول " ما " من " إنْ " ، هذه علة البصريين. وقال الكوفيون: تدخل " النون " الخفيفة والشديدة مع " إمّا " للفرق بين كونها للشرط وكونها للتخيير. ومعنى الآية: إنْ لقيت يا محمد، هؤلاء الذين عاهدتم، ثم نقضوا عهدك في الحرب { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ }. أي: افعل بهم فعلاً يكون مُشَرَّداً لمن خلفهم من نظرائهم، ممن بينك وبينه عَهْد. و " التَّشْرِيدُ ": التطريد والتبديد والتفريق. فأُمر بذلك صلى الله عليه وسلم ليكون أدباً لغيرهم، فلا يجترئوا على مثل ما فعله [هؤلاء] من نقض العهد. وقال السدي: { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } ، أي: نكل بهم، ليحذر من خلفهم ممن بينك وبينه عهد. { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }. أي: يتعظون إذا رأوا ما صنع بمن نقض العهد. وقوله: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً }. أي: إن خفت يا محمد، من قوم بينك وبينهم عهد (وعقد) أن يخونوك وينقضوا عهدك، { فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } ، أي: حاربهم وأعلمهم قبل إتيانك لحربهم أنك فسخت عهدهم، لِمَا كان منهم من أمارة نقض العهد، وإتيان الغدر والخيانة منهم، فيستوي علمك وعلمهم في الحرب، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ } ، أي: من خان عهداً، أو نقض عهداً. و " الخَوْفُ " هنا: ظهور ما يتيقن منهم من إتيان الغدر، وليس هو الظن. ومعنى: { فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ }. أي: انبذ إليهم العهد، وأعلمهم بأنك قد طرحته، لما ظهر إليك منهم، وأنك محارب لهم، فيستوي أمركما في العلم. قال الكسائي: { عَلَىٰ سَوَآءٍ }: على عدل، أي: تعدل بأن يستوي علمك وعلمهم. وقال الفراء المعنى: افعل بهم كما يفعلون سواء. وقال أيضاً: { عَلَىٰ سَوَآءٍ }: جهراً لا سراً. قال أبو عبيدة معنى: { تَخَافَنَّ }: تُوقِنَنَّ.