الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قوله: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } إلى قوله: { لِّلْعَبِيدِ }.

المعنى: واذكر، يا محمد، { إِذْ يَقُولُ }.

وقيل المعنى:لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال: 42]، في هذه الأحوال، وحين يقول المنافقون: كذا وكذا.

و { ٱلْمُنَافِقُونَ } هنا: نَفَرٌ لم يستحكم الإيمان في قلوبهم من مشركي قريش، خرجوا مع المشركين من مكة وهم على الارتياب، فلما رأوا قلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ } ، حتى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلة عددهم.

وقال الحسن: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر، فسموا: " منافقين ".

وقال معمر: هم قوم أقروا بالإسلام بمكة، ثم خرجوا مع المشركين إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: { غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ }.

قال ابن عباس: إنّما قالوا ذلك حين قلل الله المسلمين في أعين المشركين، فظنوا أنهم يغلبون لا محالة.

وقوله: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ }.

أي: يسلم أمره إلى الله عز وجل { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } ، أي: لا يغلبه شيء، ولا يقهره أمر { حَكِيمٌ } في تدبيره.

فـ { ٱلْمُنَافِقُونَ }: هم الذين أظهروا الإيمان، وأبطنوا الشرك، { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }: هم الشاكون في أمر الإسلام. وقيل: هما واحد، كما قال:ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [البقرة: 3]، ثم قال:وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [البقرة: 4]، وهما واحد.

ويُروى أن رجلاً من الأنصار رأى الملائكة يوم بدر، فذهب بصره، فكان يقول: لولا ما ذهب بصري لأرَيْتكُم الشِّعْب الذي خرجت منه الملائكة.

قال: ولقد سمعت حَمْحَمة الخيل.

قوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ }.

أي: لو عاينت ذلك، يا محمد، رأيت أمراً عظيماً، يضربون وجوههم وأستاههم، يقولون لهم: { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ، أي: النار. فـ: " يقولون " محذوفة من الكلام.

وجواب { لَوْ } محذوف. والمعنى: ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً، وشبه هذا.

وهذا إنما يكون عند قبض أرواحهم.

وقيل: إنما يكون يوم القيامة.

وقيل: أريد به يوم بدر، قاله مجاهد.

قال مجاهد { أَدْبَارَهُمْ }: أستاههم، ولكن الله كريم يَكْنِي.

قال ابن عباس: / كان المشركون إذا أقبلوا بوجوهم يوم بدر إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولَّوا، أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم.

قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، وقف، إن جعلت المعنى: إذ يتوفى الله الذين كفروا، ثم تبتدئ: { ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } ، على الابتداء والخبر.

ويدل على هذا المعنى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42].

وإن جعلت الملائكة هم يتوفونهم، وقفت على { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } ، وهو مروي عن نافع، وجعلت { يَضْرِبُونَ } ، على إضمار مبتدأ، أي: هم يضربون.

والأحسن الوقف على { أَدْبَارَهُمْ } ، وهو التمام وتبتدئ: { وَذُوقُواْ } ، على معنى: ويقولون.

{ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } تمام، إن قدرت " الكاف " فيكَدَأْبِ } [الأنفال: 52]، متعلقة بقوله: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ }.

السابقالتالي
2