الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

قوله: { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } ، إلى قوله: { تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }.

والمعنى: إنّ الله عز وجل، يا محمد، { لَسَمِيعٌ } لما يقول أصحابك { عَلِيمٌ } بما يضمرون، إذ يريك عدوك وعدوهم { فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } ، فتخبر أصحابك بذلك، فتقوى نفوسهم، ويجترئون على حرب عدوهم، ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيراً، لفشل أصحابك فجبنوا على قتالهم، وتنازعوا في ذلك، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } ، من ذلك بما أراك في منامك من قلتهم { إِنَّهُ عَلِيمٌ } ، بما تُجِنُّه الصدور.

قال مجاهد: أراهم الله عز جل، نبيّه عليه السلام، في منامه قليلاً، فأخبر أصحابه، فكان تثبيتاً لهم.

وقال الحسن: كان ذلك رؤية حق غير منام.

والمعنى: { إِذْ يُرِيكَهُمُ [ٱللَّهُ] } بعينك التي تنام بها { قَلِيلاً } ، فالمعنى على هذا: في موضع منامك.

وهو عند جميع أهل التفسير رؤيا في النوم كانت، إلا الحسن. فأمّا قوله: { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ } ، فهي رؤية حق لا منام، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.

ومعنى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ }.

أي: سلم للمؤمنين أمرهم حتى أظفرهم.

وقيل المعنى: سلم أمره فيهم.

وقيل: سلم القوم من الفشل بما أرى نبيهم صلى الله عليه وسلم. من قلتهم. قاله ابن عباس.

يقال: فَشِل الرجل، أي: جَبُن.

ثم قال: { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً }.

أي: أراكم، أيها المؤمنون، عدوكم، قليلاً، وهم كثير ليهون عليكم أمرهم، فلا تجزعوا ولا تجبنوا، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكتهم.

قال عبد الله بن مسعود: قُلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جانبي: أراهم سبعين؟ قال: أراه مائة، قال: فأسرنا رجلاً منهم / فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفاً.

وكان من قول أبي جهل لأصحابه لما قلّل الله عز وجل، المسلمين في عَيْنَيْه: يا قوم، لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خُذُوهم أَخْذاً، فاربطوهم بالحبال.

ثم قال: { لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً }.

أي: فعل ذلك، فيظفركم بعدوكم، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.

{ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }.

أي: تصير في الآخرة إليه، فيجازي كل نفس بما كسبت.