الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

{ أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } الآية، المعنى: أولئك الذين هذه صفتهم هم المؤمنون حقاً.

قال ابن عباس: { ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } ، أي: بَرِئُوْا من الكفر.

وَهَذَا بَابٌ تُذْكَرُ فَيهَ حَقِيقَةُ الإِيمَانِ وَتَفْسِيرُهُ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، عز وجل.

وحقيقة الإيمان عند أَهْلِ السُّنَّة: أنه المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، وكذلك رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقالت المُرجئة الإيمان: قول ومعرفة بالقلب بلا عمل.

وقال الجهمية الإيمان: المعرفة بلا قول ولا عمل.

وأهل السنة والطريقة القويمة على أنه: المَعْرِفَةُ وَالقَوْلُ وَالعَمَلُ، كما رواه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ إِجْمَاعِ الأُمَّةِ.

قد أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ على أنه من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم أخبر أن قلبه غَيْرُ مُصَدِّقٍ بشيء من ذلك، أنَّهُ كَافِرٌ، فدل على أَنَّ الاعتقاد لا بد منه.

ثم أَجْمَعُوا على أَنَّ الكافل إذا قال: قد اعتقدت / في قلبي الإيمان ولم يقله ويسمع منه، [أن حكمه حكم الكافر] حتى يقوله ويسمع منه، فَإنَّ دمه لو قتل لا تلزم منه دية، فدل على أن القول مع الاعتقاد لا بد منه.

ثم أَجْمَعُوا على أن شهد الشهادتين، وقال: اعتقادي مثل قولي، ولكني لا أصوم ولا أصلي ولا أعمل شيئاً من الفروض أنه يستتاب، فإن تاب وعمل وإلا قتل كما يقتل الكافر، فدل على وجوب العمل.

فصح من هذا الإجماع، أن الإيمان هو الاعتقاد والقول والعمل، وتمامه: موافقة السنة، وقد قال الله تعالى:وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [البينة: 5]، ثم قال:وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } [البينة: 5]، أي: دين الملة القيمة. ومن لم يقل: إن الله تعالى، أراد الإقرار والعمل من العباد فهو كافر. فإن قيل: لو أن رجلاً أسلم فأقر بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، أيكون مؤمناً بهذا الإقرار أم لا؟ قيل له: لا يطلق عليه اسم مؤمن إلا ونيته أنه إذا جاء وقت العمل عمل ما افترض عليه، ولو علم منه وقت إقراره أنه لا يعمل لم يطلق عليه اسم مؤمن، ولو أنه أقرّ في الوقت وقال: لا أعمل إذا جاء وقت العمل، لم يطلق عليه اسم مؤمن.

والأعمال لا يقبل منها إلا ما أريد به وجه الله، (سبحانه)، فأما من أراد بعمله مَحْمَدَةَ الناس وَرَايَا به فليس مما يقبله الله، عز وجل، وصاحبه في مشيئة الله سبحانه. وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأمر به، فَعَرَّفَهُ نِعمهُ فَعَرَفَهَا؛ قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كَذبْتَ ولكن قاتلت ليقال: جَريءٌ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تَعَلَّمَ العلم وعَلَّمَهُ، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به، فعرَّفه نعمه، فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ فقال: تعلمت فيك العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كَذَبْتَ، ولكنَّك تعلمت العلم ليقال: إنك عالم، فقد قيل، وقرأت القرآن ليقال: إنك قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وجهه حتى ألقي في النار. ورَجل وسَّع الله عليه، وأعطاهُ أنواع المال كله، فَعَرَّفه نِعمه فَعَرَفَها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت في سبيل الله شيئاً تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جَوَادٌ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6