الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، إلى قوله: { لاَ يَعْلَمُونَ }.

والمعنى: وما كان الله ليعذِّب هؤلاء الذين تمنوا العذاب وأْنت مقيم بين أظهرهم. وكان قد نزلت عليه وهو مقيم بمكة. ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، من مكة، فاستغفر من بها من المؤمنين، فنزلت عليه بعد خروجه: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.

ثم خرج أولئك البقية من المؤمنين، فأنزل الله، عز وجل: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، الآية، بالمدينة، فعذَّب الله، (عز وجل). الكفار، إذْ أذِنَ للنبي صلى الله عليه وسلم، بفتح مكة، فهو العذاب الذي وُعِدوا به. قال ذلك ابن أبي أبزى.

وقال أبو مالك نزل الجميع بمكة، فقوله: { وَمَا كَانَ [ٱللَّهُ] لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، { وَمَا كَانَ [ٱللَّهُ] مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، يعني: من بِها من المسلمين { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، يعني: من بمكة من الكفار.

فمعنى: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، أي: خاصة، فعذبهم الله (عز وجل). بالسيف، وفي ذلك نزلت:سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [المعارج: 1]، الآية. وهو النَّضْر. سأل العذاب.

ورُوِيَ عن ابن عباس [أنَّ] المعنى: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، يا محمد، أيْ: حتى نخرجك من بين أظهرهم، { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، قال: كان المشركون يطوفون بالبيت يقولون: " لبَّيْك لبَّيْك، لا شريك لك " ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم " قَدْ، [قَدْ] " ، فيقولون: " إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك " ، ويقولون: " غُفرانك، غُفرانك " ، فهذا استغفارهم. قال: وقوله: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، يعني في الآخرة.

وقال قتادة المعنى: { وَمَا كَانَ (ٱللَّهُ) مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي: لو استغفروا لم يعذّبهم، ولكنهم ليس يستغفرون، فلذلك قال: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ، وهم لا يستغفرون، ويصدون عن المسجد الحرام.

وهو اختيار الطبري. قال: كما نقول: " ما كنتُ لأُحسن إليك وأنت تسيء إليَّ " ، يراد به: لا أحسن / إليك إذا أسَأْتَ إليَّ، أي: لو أسَأْتَ إِلَيَّ لم أُحسن إليك.

وكما قال:
بِأَيْدِي رِجالٍ لَمْ يَشِيمُوا سُُيُوفَهُمْ   وَلَمْ تَكْثُرِ الْقَتْلَى بِهَا حِين سُلَّتِ
أي: إنما شاموها بعد أن كثرت القتلى.

وشمتُ السيف من الأضداد، شمتُه: سللته وأغمدته.

وقال بعض العلماء: هما أمانان أنزلهما الله عز وجل، فالواحد قد مضى وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني باق وهو استغفار من الذنوب، فمن استغفر (أمِنَ) من نزول العذاب به في الدنيا.

وقال ابن زيد معنى: { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، أي: لو استغفروا لم أعذبهم. وهم لا يستغفرون، فما لهم ألاَّ يُعَذَّبوا.

وهو قول قتادة الأول.

السابقالتالي
2