الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قوله: { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ، إلى قوله: { أَجْرٌ عَظِيمٌ }.

هذه الآية تذكيرٌ من الله عز وجل، للمؤمنين بما أنعم عليهم من العز، بعد أن كان المشركون يستضعفونهم. وهُم قَلِيلٌ، ويفتنونهم عن دينهم، ويسمعونهم المكروه.

قوله: { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ }. أي: يقتلونكم.

{ فَآوَاكُمْ }. أي: جعل لكم مأْوى تأوون إليه منهم.

{ وَأَيَّدَكُم }.

أي: قوّاكم بنصره إياكم عليهم حتى قتلتموهم.

{ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }. أي: أحلَّ لكم غنائمهم.

فـ: { ٱلطَّيِّبَاتِ } ، هنا: الحلال. { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. و " لعلّ " هاهنا: ترج يعود إليهم.

والطبري يجعلها بمعنى: " كَيْ ".

و { ٱلنَّاسُ } ، في هذا الموضع: الذين كانوا يخافون منهم، كفار قريش بمكة، كان المسلمون قِلَّةً يُستضعفونَ بمكة.

قال الكلبي، وقتادة: نزلت هذه الآية في يوم بدر، كانوا يومئذ قلة يخافون أن يتخطفهم الناس، فقوَّاهم الله بنصره، ورزقهم غنائم المشركين حلالاً.

وقال وهب بن مُنَبِّه: { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ }: فارس.

وقيل هي: فارس والروم.

وقال الطبري معنى: { فَآوَاكُمْ } ، أي: إلى المدينة، { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } ، أي: بالأنصار.

وكذلك قال السدي.

ثم قال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ }.

قوله: { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ }.

في موضع نصب على الجواب. على معنى: أنكم إذا خنتم الله والرسول خنتم أماناتكم.

وقيل: هو في موضع جزم على النهي نسَقاً على: { لاَ تَخُونُواْ }.

ومعنى خيانة الله والرسول: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

وقيل: هذه الآية نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان / يطلعه على سر المسلمين.

وقيل: خيانة الرسول (صلى الله عليه سلم): ترك العمل بسنته.

وقليل: نزلت في أبي لُبَابَة. لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، إلى بني قريظة فأشار إليهم إلى حلقه: إنَّه الذَّبحُ. قال الزُّهْري: فقال أبو لُبابة: لا والله، لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليَّ، فمكث سبعة أيام لا يأكل ولا يشرب حتَّى خَرَّ مغشياً عليه، حتى تاب الله عليه. فقيل له: يا أبا لبابة، قد تاب الله عليك، قال: لا والله، لا أَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يَحُلُّني. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلَّهُ بيده. ثم قال أبو لبابة: إنَّ توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع عن مالي، قال: يَجْزِيك الثلث أن تتصدَّق به.

وقيل: الآية عامة. نُهوا ألاَّ يخونوا الله والرسول كما صنع المنافقون.

وقوله: { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ }.

أي: لا تفعلوا الخيانة، فإنها خيانة لأماناتكم.

وقيل المعنى: ولا تخونوا أماناتكم.

و " الأمانة " هاهنا: ما يُخفى عن أعين النَّاس من ترك فرائض الله، عز وجل، وركوب معاصيه.

قوله: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }.

أي: اختباراً اختبرتم بها. وابتلاءً ابتليتم بها. لينظر كيف أنتم فيها عاملون.

{ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }.

أي: جزاء وثواباً على طاعتكم.