قوله: { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ، إلى قوله: { أَجْرٌ عَظِيمٌ }. هذه الآية تذكيرٌ من الله عز وجل، للمؤمنين بما أنعم عليهم من العز، بعد أن كان المشركون يستضعفونهم. وهُم قَلِيلٌ، ويفتنونهم عن دينهم، ويسمعونهم المكروه. قوله: { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ }. أي: يقتلونكم. { فَآوَاكُمْ }. أي: جعل لكم مأْوى تأوون إليه منهم. { وَأَيَّدَكُم }. أي: قوّاكم بنصره إياكم عليهم حتى قتلتموهم. { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }. أي: أحلَّ لكم غنائمهم. فـ: { ٱلطَّيِّبَاتِ } ، هنا: الحلال. { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. و " لعلّ " هاهنا: ترج يعود إليهم. والطبري يجعلها بمعنى: " كَيْ ". و { ٱلنَّاسُ } ، في هذا الموضع: الذين كانوا يخافون منهم، كفار قريش بمكة، كان المسلمون قِلَّةً يُستضعفونَ بمكة. قال الكلبي، وقتادة: نزلت هذه الآية في يوم بدر، كانوا يومئذ قلة يخافون أن يتخطفهم الناس، فقوَّاهم الله بنصره، ورزقهم غنائم المشركين حلالاً. وقال وهب بن مُنَبِّه: { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ }: فارس. وقيل هي: فارس والروم. وقال الطبري معنى: { فَآوَاكُمْ } ، أي: إلى المدينة، { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } ، أي: بالأنصار. وكذلك قال السدي. ثم قال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ }. قوله: { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ }. في موضع نصب على الجواب. على معنى: أنكم إذا خنتم الله والرسول خنتم أماناتكم. وقيل: هو في موضع جزم على النهي نسَقاً على: { لاَ تَخُونُواْ }. ومعنى خيانة الله والرسول: هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر. وقيل: هذه الآية نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان / يطلعه على سر المسلمين. وقيل: خيانة الرسول (صلى الله عليه سلم): ترك العمل بسنته. وقليل: نزلت في أبي لُبَابَة. لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، إلى بني قريظة فأشار إليهم إلى حلقه: إنَّه الذَّبحُ. قال الزُّهْري: فقال أبو لُبابة: لا والله، لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليَّ، فمكث سبعة أيام لا يأكل ولا يشرب حتَّى خَرَّ مغشياً عليه، حتى تاب الله عليه. فقيل له: يا أبا لبابة، قد تاب الله عليك، قال: لا والله، لا أَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يَحُلُّني. فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلَّهُ بيده. ثم قال أبو لبابة: إنَّ توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع عن مالي، قال: يَجْزِيك الثلث أن تتصدَّق به. وقيل: الآية عامة. نُهوا ألاَّ يخونوا الله والرسول كما صنع المنافقون. وقوله: { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ }. أي: لا تفعلوا الخيانة، فإنها خيانة لأماناتكم. وقيل المعنى: ولا تخونوا أماناتكم. و " الأمانة " هاهنا: ما يُخفى عن أعين النَّاس من ترك فرائض الله، عز وجل، وركوب معاصيه. قوله: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ }. أي: اختباراً اختبرتم بها. وابتلاءً ابتليتم بها. لينظر كيف أنتم فيها عاملون. { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }. أي: جزاء وثواباً على طاعتكم.