الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } ، إلى قوله: { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }.

قال أبو عبيدة معنى { ٱسْتَجِيبُواْ }: أجيبوا، كما قال: فلم يستجب عند ذاك مُجيب، أي: يجبه.

ومعنى: { لِمَا يُحْيِيكُمْ }.

أي: للإيمان. وقيل: للإسلام. وقيل: للحق. وقيل: للقرآن وما فيه.

وقيل: إلى الحرب وجهاد العدو.

وسماه " حياةً "؛ لأنَّ الكافر مثل الميِّت.

وقيل معنى: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ، أي: لما تصيرون به إذا قبلتموه إلى الحياة الدائمة في الآخرة.

" ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا أُبيّا وهو يصلي فلم يجبه أبيّ، فخفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت أصلي، قال له: أفلم تجد فيما أوحي إليَّ: { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ }؟ قال: بلى، يا رسول الله، ولا أعُودُ ".

فهذا يبين أن المعنى يراد به الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى ما فيه حياة لهم من الخير بعد الإسلام المدعو إيمانه.

وقوله: { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }.

قال ابن جبير: يحول بين الكافر أن يؤمن، وبين المؤمن أن يكفر.

وكذلك قال ابن عباس.

وقال الضحاك: يحول بين الكافر وطاعته، وبين المؤمن ومعصيته.

وقال مجاهد معناه: يحول بين المرء وعقله (حتى لا يدري ما يصنع.

وقال السدي في معناه: يحول بين الإنسان وقلبه). فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه.

وقيل المعنى: يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه من طول العيش وامتداد الآمال والتسويف بالتوبة، فيعاجله الموت قبل بلوغ شيء من ذلك.

وقال قتادة معناه: إنَّه قريب من قلب الإنسان، لا يخفى عليه شيء أظْهَرَهُ، ولا شيء أسَرَّهُ، وهو مثل قوله:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16].

وقال الطبري: هو خبر من الله عز وجل، أنه أملك بقلوب العباد منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً من الإيمان ولا الكفر، ولا يَعِي شيئاً. ولا يفهم شيئاً، إلا بإذنه ومشيئته.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، كثيراً ما يقول في دعائه: " يا مُقَلِّب القُلُوبِ قَلِّبْ قلبي إلى طَاعَتِك ".

وفي رواية أخرى: " ثبِّتْ قلبي على طاعتك ".

وكان يحلف: " لاَ ومُقلِّب القُلُوب ".

ومن هذا يقال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله، فمعناه: لا حولَ عن معصية، ولا قوة عن طاعةٍ إلا بالله.

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى زوجة زيد) فاستحسنها، وقد كان عرضت عليه نفسها فلم يستحسنها: " سُبْحَانَ مُقلِّبَ القُلُوبِ ".

السابقالتالي
2