الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } إلى: { يَشْعُرُونَ }.

هذه الآية تحذير لقريش، ومن كفر بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، وإعلام من الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم)، سُنَّتَهُ فيمن خَلاَ من الأمم الكافرة.

و { بِٱلْبَأْسَآءِ }. البؤس وضيق العيش.

{ ٱلضَّرَّآءِ } ، الضر.

{ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } ، أي: فعل ذلك بهم، ليتضرعوا إلى الله (عز وجل) ويخشعوا، وينيبوا عن الكفر.

قال السدي، { بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ }: الفقر والجوع.

وقال ابن مسعود: { بِٱلْبَأْسَآءِ } ، الفقر، و { وَٱلضَّرَّآءِ } ، المرض.

وقيل: { بِٱلْبَأْسَآءِ } ، المصائب في المال، و { وَٱلضَّرَّآءِ } ، المصائب في البدن.

وقوله: { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ [حَتَّىٰ عَفَوْاْ] }.

سمي [الضرر والفقر سيئة، لأنه يسوء صاحبه.

و { ٱلْحَسَنَةَ }: الرخاء والصحة. سمي] ذلك حسنة، لأنها تحسن عند من حلت به، فبدل الله (عز وجل) لهم مكان الضرر والفقر، الرخاء والصحة، { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } أي: تضاعف أعدادهم بالتناسل، وهو من الأضداد، يقال: " عفا ": كثر، و " عفا ": درس.

ومن الكثرة قوله عليه السلام: " أَخْفُوا الشَّوَارِبَ واعْفُوا اللِّحَى " ، أي: وفروا [اللحى] حتى يكثر شعرها.

فمعنى { عَفَوْاْ } على هذا، أي: كثروا.

قال ابن زيد: معناه، بدلنا مكان ما كَرِهُوا ما أحَبُّوا.

وعن مجاهد: { عَفَوْاْ } ، كثرت أموالهم وأولادهم.

وقال قتادة: { عَفَوْاْ } ، سُرُّوا.

أي: سُرُّوا بكثرتهم، وذلك استدراج منه لهم؛ لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا فلم يفعلوا. ثم أخذهم بالرخاء لعلهم يشكرون، استدراجاً لهم، فـ: { قَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ } ، وهو الضيق في المعاش، { وَٱلسَّرَّآءُ }: السرور والسعة، فنحن مثلهم، يصيبنا مثل ما أصابهم، { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } ، أي: أخذناهم بالهلاك فجأة على غرة، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي: لا يدرون بذلك.

وقد كرر الله، عز وجل، قصص الأنبياء وأممها، في سور كثيرة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة. ونحن نذكر علة تكرار ذلك في القرآن، بما حضرنا من أقوال العلماء، إن شاء الله.

ذكر العلة

في تكرار الأنبياء والقصص

في القرآن

علة ذلك أن القرآن نزل شيئاً بعد شيء نُجُوماً، في ثلاث وعشرين سنة، فكانت العرب ترد على النبي صلى الله عليه وسلم، / من كل أُفُق فيقرئهم المسلمون السورة من القرآن، فيذهبون بها إلى قومهم.

وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة، بالسور المختلفة، فيبلغ إلى هؤلاء من القصص ما لم يبلغ إلى هؤلاء، فثنى الله القصص وكررها ليكون يبلغ إلى هؤلاء ما يبلغ إلى هؤلاء إشهاراً منه لهذه القصص ليتعظ بها من بلغته، ويعلم أنها دلالة على نبوة من أتى بها، ويعيها كل قلب، ويزداد الحاضرون السامعون لتكرارها تَفَهُّماً.

ولو نزل القرآن جملة واحدة لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله (عز وجل) بها، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين، وعلى من أراد الدخول في الدين ولفسد معنى النَّسْخ، فإنما نزل فَرْضاً بَعْدَ فَرْضٍ، تدريجياً للعباد وتيسيراً عليهم إلى أن يكمل دين الله (عز وجل).

السابقالتالي
2 3