قوله: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } ، الآية. روي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل، قد نزعه الله عز وجل، من قلوب المؤمنين ". والمعنى: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين تقدمت صفتهم، ما في صدورهم من حقد وعداوة، كانت من بعضهم لبعض في الدنيا، وأُدخلوا الجنة{ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47]، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء. قال قتادة: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله [فيهم] { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }. قال السدي: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو " الشراب الطهور " الذي ذكره الله في قوله:{ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الإنسان: 21]. واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبداً. قوله: { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ }. أي: قالوا ذلك حين رأوا ما أكرمهم الله به من جنته، وما صرف عنهم من نقمته. روى [أبو سعيد] الخدري عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقول: " لو هدانا الله " فيكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: " لولا أن هدانا الله " " ! [فهذا] شكرهم. وقوله: { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } ، (الآية). اعترض بعض الملحدين بهذه الآية على حديث النبي، عليه السلام، في قوله: " لا يدخل الجنة أحد بعمله، وإنما يدخلها برحمة الله " هذا غلط منهم؛ لأن رحمة الله لا تدرك إلا بالعمل الصالح. وإذا كانت الرحمة لا تدرك إلا بالعمل الصالح فالعمل الصالح الذي يدرك الرحمة يدخل الجنة. ويجوز أن يكون معنى: { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، يعني: المنازل في الجنة، فيكون الدخول برحمة الله، كما قال النبي، عليه السلام،: " والمنازل بالأعمال " فيصح الحديث، والآية على ظاهرها. وقوله: { أُورِثْتُمُوهَا } ، وقوله: { وَنُودُوۤاْ } ، فعلان منتظران، ولفظهما لفظ ما قد مضى، وذلك حسن في أخبار الله؛ لأنها كالكائنة لصدق المخبر بها، ونفوذ القضاء، والحتم (بها) من الله. قال السدي: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار [ودخلوا منازلهم]، رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم منها، فقيل لهم: " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ". ثم يقال: يا أهل الجنة { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، يعني منازل أهل النار وَرِثُوهَا بعملهم فيقتسمونها. وعن أبي سعيد الخدري قال: ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً.