الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

(قوله): { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } ، إلى قوله: { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.

وقيل: إن قوله: { فِيمَآ آتَاهُمَا } ، هو تَمَامُ الكَلاَمِ في قصة آدم وحواء، ثم ابتدأ إِخْبَاراً عن المشركين من بني آدم، فقال: { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، الآية.

قال محمد بن عرفة نِفْطَويْه: لم يشركا بربهما، إنما أطاعا إبليس في بعض ما أُمرا بتركه، أَطَاعَاهُ طَاعَةَ مُغْتَرٍ مُكَادٍ، لاَ طَاعَةَ مُلْحِدٍ مُصِرٍّ. قال: فأما قول: { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، فإنما أريد به: من عبد غير الله من اولاد آدم وحواء، دليله (قوله): { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } ، إلى قوله: { صَٰمِتُونَ } ، فلم يعبد آدم وحواء أصناماً فيكون هذا خطاباً لهما، إنما عبد ذلك أولادهما.

فالمعنى: أيشركون في عبادة الله، فيعبدون { مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } ، يعني تسميتهما ولدهما: " عبد الحارث ".

رُوِيَ أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " خَدَعَهُما (إبليس) مرتين، في الجنة وفي الأرض ".

وقال ابن زيد: لما ولد لهما ولد سمياه: " عبد الله " فمات، ثم ولد لهما أخرى فسمياه: " عبد الله " فأتاهما إبليس فقال: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ لا والله، ليذهبن به كما ذهب / بالآخر! ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما، فَسَمّيَاهُ: " عبد شمس " فذلك قوله تعالى: { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً } ، يعني: الشمس.

وإنما أخرج الخبر بلفظ الجميع لأنهم كانوا يعظمون ما يعبدون ويخبرون عنها مثل الإخبار عمن يعقل، فخوطبوا بما كانوا يعقلون.

وقيل: إنما هذا خطاب للمشركين عَبَدَةَ الأَوْثَانِ.

ثم قال: { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) }.

أي: ما يعبد هؤلاء، لا ينصرون من يعبدهم، ولا ينصرون أنفسهم.

ثم قال تعالى: { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ }.

والمعنى: إنكم إن دعوتم آلهتكم إلى رشاد لم تفهم، فكيف يُعْبَدُ من إذا دُعِي إلى الرشاد وعُرِّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشاداً من ضلال، وكان دعاؤه وتركه سواء، فكيف يُعْبَدُ من هذه صفته، وكيف يُشْكِل عظيمُ جهل من اتخذ ما هذه صفته إلاهاً؟

{ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }.

أي صَمَتُّم. كل ذلك على آلهتكم سواء، لا تعقل ولا تفهم فهذا في الظاهر وقع للداعين الاستواء وهو في المعنى المقصود وقع للمدعويين؛ لأن حال الداعي في الصُّمَاتِ والدعاء مختلفة؛ لأنه ممن يدعو ويصمت، وحال المدعويين في الدعاء والصُّمَات سواءٌ، لأنها أصنام، قد استوى الدعاء لها وتركه، إذ لا تعقل، ولا تختلف أحوالها، فلما استوى على الأصنام الدعاء والصُّمَاتُ، استوى على الداعي ذلك أيضاً، إذ يدعو ويصمت فلا يجاب فجاز لذلك، فصار الدعاء والصَّمت للداعي في الظاهر لهذا المعنى، وهو مثل قوله:

السابقالتالي
2