الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } ، الآية.

{ مُرْسَٰهَا }: مبتدأ، و { أَيَّانَ }: الخبر.

والمعنى على قول قتادة: أن قريشاً قالت للنبي (صلى الله عليه وسلم)، إنَّ بيننا وبينك قرابة، فأسِرّ إلينا متى الساعة! فنزلت الآية.

وقال ابن عباس: أتى قوم من اليهود إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالوا له: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً؟ أي: متى قيامها؟

و { مُرْسَٰهَا } من: أَرْسَيْتُ، إذ أثبت. يقال: رست: إذا ثبت. وأرسيتها: أثبتها.

قال الله، (عز وجل)، لنبيه (عليه السلام)، { قُلْ } يا محمد: { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا } ، أي: [لا] يظهرها ويقيمها لوقتها إلا الله، (عز وجل). / يقال: جَلَّى فلان الأمر، إذَا كَشَفَهُ وَأَوْضَحَهُ وَأَظْهَرَهُ.

{ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.

أي: ثقل على أهل السموات والأرض أن يَعْلَمُوا وَقْتَ قِيَامِهَا.

قال السدي المعنى: خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها مَلَكٌ مُقَرَّب وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.

وقيل المعنى: ثقل علمها عليهم.

وقيل المعنى: كَبُرت عند مجيئها على أهل السموات والأرض.

قاله الحسن.

وقال ابن جريج: { ثَقُلَتْ } ، معناه: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت الكواكب، وكُوِّرت الشمس، وسيِّرت الجبال، وكان ما قال الله، (عز وجل). فذلك ثِقَلُها.

وحكى السدي عن بعض العلماء: { ثَقُلَتْ }: عَظُمَتْ.

وقيل المعنى: { ثَقُلَتْ } المسألة عنها.

وقال القُتَيْبِي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض، أي: خَفِيَ. وَإِذَا خَفِيَ الشَّيْءُ ثَقُلَ.

{ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً }.

أي: فجأة.

قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن نبي الله [عليه السلام]، كان يقول: " إِنَّ السَّاعَةَ تَهِيجُ النَّاسَ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضِهُ، والرَّجُلَ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ، والرَّجُل يُقِيمُ سِلْعَتَهُ في السُّوْقِ، وَيَخْفِضُ مِيزَانُهُ وَيَرْفَعُهُ ".

وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " تَقُوْمُ السَّاعَةُ والرَّجُلاَنِ قَدْ نَشَرا ثَوْبَهُمَا يبيعانه فما يطويانه حتى تقوم الساعة، وتقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيهِ فما تصل إلى فِيهِ حتى تقوم الساعة ".

ثم قال: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا }.

أي: يسألونك عنها { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ } بهم، أي: فرحٌ بسؤالهم.

وقال ابن عباس: { كَأَنَّكَ } بينك وبينهم مودة، أي: { كَأَنَّكَ } صديق لهم.

قال قتادة: قالوا له: نحن أقرباؤك، فأسِرَّ لنا متى (تقوم) الساعة؟ فأنزل الله، تعالى، { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ } ، (أي): بهم.

وقيل: إنَّ الكَلاَمَ لاَ تَقْدِيمَ فِيهِ وَلاَ تَأْخِيرَ. والمعنى: يسئلونك { كَأَنَّكَ } استحفيت المسألة عنها فعلمتها. قاله مجاهد.

وقال الضحاك: { كَأَنَّكَ } عالم بها.

فـ " عن " في مَوضِعِ " الباء ". كما جاز أن تقع " الباءُ " في موضع " عَنْ " في قوله:فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان: 59]، أي: عنه.

وقيل المعنى: { كَأَنَّكَ } فَرِحٌ بسؤالهم. يقال: حفيت بفلان في المسألة، إذا سألته عنه سؤالاً أظهرت فيه المحبة. وأحفى فلان بفلان في المسألة، تأويله الكثرة. ويقال: حفى الدابة يحفى حفىً مقصورٌ، إذا أكثرت عليه المشي حتى حفى أسفل رجله. والحَفَاءُ، ممدود: مشي الرَّجُل بغير نعل.

وقدره المبرد: { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ } بالمسألة { عَنْهَا } ، أي: مُلحّ، ومكثر السؤال عنها.

وقوله: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي }.

أي: علم وقوعها.

وقوله: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ }.

أي: علم كنهها وحقيقتها.

فـ " العِلْمَانِ ": مختلفان، وليس ذلك بتكرير.

وقرأ ابن عباس: " حَفيٌّ بِهَا ".

{ إِلاَّ هُوَ } ، وقف.

{ عَنْهَا } ، وقف، على القولين جميعاً.