الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قوله: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } ، إلى قوله: { يَعْمَهُونَ }.

والمعنى: ومن الذين خلقناهم { أُمَّةٌ } ، أي: جماعة يقْضُون { بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } ، أي: يأخذون به، ويعطون به.

قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبي الله، (عليه السلام)، قال: " هذه أمتي ".

وقال قتادة: هي هذه الأمة.

وروى سعيد بن جبير [عن قتادة] أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هَذِهِ لَكُمْ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها، يعني قوله:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159].

ثم قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ }.

أي: سَنُمْهِلُهُمْ بغرتهم، ونُزَيِّنُ لهم سوء أعمالهم، حتى يحسب أنه في كفره مُحْسِنٌ، فإذا بلغ الغاية التي كتبت له، أُخذ بأعماله السيئة من حيث لا يعلم.

وأصل " الاسْتِدْرَاجِ ": اغترار المستدرج بلُطْفٍ حتى يورّطه مكروهاً وَهَلَكَةً.

ثم قال تعالى: { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }.

أي: وأؤخرهم مدة من الدهر.

و " المَلاَوةُ ": القطعة من الدهر، يقال بضم " الميم " وفتحها وكسرها، لغات فيها.

{ إِنَّ كَيْدِي } ، أي: إنَّ عذابي.

{ مَتِينٌ } ، أي: شَديدٌ.

وقيل: " الكَيْدُ " هنا: هو أخذهم من حيث لا يشعرون.

وأصل " الكَيْدُ ": المكر.

وقرأ ابن عباس: " أَنَّ كَيْدِي " ، بفتح الهمزة، جعل " أَنَّ ": مفعولاً من أجله، أي: من أجل أنّ الكيد متين وقع الإملاء.

{ وَأُمْلِي لَهُمْ } ، وقف.

{ لاَ يَعْلَمُونَ } ، وقف.

إن جعلت { وَأُمْلِي } مُسْتَأْنفاً.

ثم قال تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ }.

أي: يتفكروا في أَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ، وأَنَّ الحَقَّ / ما دعاهم إليه.

ثم قال: { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ }.

قال قتادة: ذكر لنا [أن] النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان على الصفا، فدعا قريشاً وجعل يُفَخِّذُهم فَخِذاً [فَخِذاً]: " يا بني فلان، يا بني فلان " ، يحُذِّرُهُمْ بأس الله (عز وجل)، ووقائع الله، (تبارك وتعالى)، فقال قائلهم: " إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ! بَاتَ يُصَوِّتُ إلَى الصَّبَاحِ " ، (فأنزل الله، عز وجل)،: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ } ، أي: ينذركم عقاب الله، (عز وجل)، على كفركم.

{ مُّبِينٌ }.

أي: قد أبانَ لكم إنذارهُ.

و: { مِّن جِنَّةٍ }.

أي: من جنون. ومثلهُ في سورة " سبأ ".

{ مِّن جِنَّةٍ } ، وقف.

{ تَتَفَكَّرُواْ } ، وقف حسن، ومثله:أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } [الروم: 8]، ومثله:ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } [سبأ: 46] في " سبأ ". ثم يبتدئ بـ: { مَا } ، وهي: للنَّفِيْ في الثلاثة المواضع.

ثم قال تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ }.

والمعنى: أولم ينظر هؤلاء المكذبون، في ملك السموات والأرض وسلطانها، وفيما خلق الله، (عز وجل)، فيتدبروا، فيعلمون أنّ ذلك لا يحدثه إلا رب واحد، والله واحدٌ لا شبيه له، فيؤمنوا ويصدقوا، ويتفكروا في: { أَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } ، فيحذروا أن يموتوا على كفرهم فيصيروا إلى عذاب الله، (سبحانه).

السابقالتالي
2