الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

قوله: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } ، إلى قوله: { ٱلْمُصْلِحِينَ }.

روى أبو بكر عن عاصم: " وَقَطَعْنَهَمْ " ، بالتخفيف.

والمعنى: وفرقنا بني إسرائيل في الأرض { أُمَماً } ، أي: جماعات شتى. ففي كل أرض قوم من اليهود، { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } ، أي: منهم من يؤمن بالله ورسله، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } ، وصفهم بهذا قَبْلَ كُفْرِهِمْ وارتدادهم عن دينهم، وقَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ عِيسَى (عليه السلام).

{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ }.

أي: بالرخاء، والسعة في الرزق، { وَٱلسَّيِّئَاتِ } ، بالجدب والمصائب، أي: اختبرناهم بذلك، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، إلى طاعة الله (عز وجل).

قوله: { أُمَماً } ، وقف.

و { دُونَ ذٰلِكَ } ، وقف.

و { وَٱلسَّيِّئَاتِ } ، وقف.

ثم قال تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ }.

أي: حدث من بعدهم خَلْفُ سُوْءٍ، يعني: أبناءهم.

و " الخَلْف ": الرديء من القول، ومن الأبناء، يقال للواحد والاثنين والجميع، بلفظ واحد.

ويقال في المدح: " هذا خَلَف صِدْقٍ " ، بتحريك اللام، ولَزِمَ تسكن اللام فيه، هذا الأشهر.

وقد تحرك في الذم وتسكن في المدح، قال حسان:
......، وخَلْفُنَا   لأوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللهِ تابعُ
والخَلَفُ السُّوْءِ، مأخوذ من قولهم: " خَلَفَ اللّبَن " ، إذ حمض حتى فسد، ومن قولهم: " خَلَفُ فَمِ الصَّائِمِ " ، إذا تغير ريحه.

وقال مجاهد: " الخَلْف " في الآية يراد به النصارى بعد اليهود.

{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ }.

يعني: الرشوة على الحكم في قول الجميع.

{ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا }.

يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه مغفور، لا نؤاخَذُ به.

والثاني: أنه ذنب، لكن الله قد يغفره لنا، تأميلاً منهم لرحمته.

وهو ما عَنَّ لهم من عرض الدنيا حلالاً كان أو حراماً، يأخذونه ويتمنون المغفرة، { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } ، وإن وجدوا بعده مثله، أخذوه، فهم مُصِرُّونَ على أخذه، وإنما يتمنى المغفرة من أَقْلَعَ عن الذنب، فلم يعد إليه، ولاَ نَوَى الرجوع إلى مثله.

قال ابن جبير: يعملون بالذنب ثم يستغفرون منه، فإن عرض لهم ذنب رَكِبُوه.

و " العَرَضُ " عنده: الذنوب.

قال السدي: كان بنو إسرائيل لا يَسْتَقْضُونَ قَاضِياً إِلاَّ ارْتَشَىِ في الحُكْمِ، فيقال له في ذلك، فيقول: { سَيُغْفَرُ لَنَا } ، فيطعن عليه بقية بني إسرائيل. فإذا مات جعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه، فيرتشي، أيضاً، ثم لاَ يَثُوبُونَ.

قال ابن زيد: يأتيهم المحق برشوة، فيخرجون له كتاب الله، ثم يحكمون له بالرشوة / فإذا جاءهم الظالم بالرِّشوة، أخرجوا له الكتاب الذي كتبوا بأيديهم، وقالوا:هَـٰذَا [مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ] لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [البقرة: 79]، وهو عَرَضُ الدنيا، هو الرُّشَى في الحكم، فيحكمون له بما في الكتاب، فهو [في كتابهم]، محق، وهو في التوراة ظالم، فقال الله (عز وجل): { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ }.

السابقالتالي
2