قوله: { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ } ، إلى قوله: { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }. والمعنى: فلما تركت الطائفة التي نهيت عن السوء، ما أمرها الله (عز وجل) به من ترك الاعتداء. وقيل: نسوا موعظة من وعظهم من المؤمنين، { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } ، أي: وجيع أليم. قاله ابن عباس. وقيل: { بَئِيسٍ }: رديء. وقال مجاهد { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ }: أليم شديد. وقال قتادة { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ }: موجع. وقال ابن زيد { بَئِيسٍ }: شديد. قوله: { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ }. أي: تجاوزوا وتمردوا. و " العاتي ": المتمرد المتجاوز في الحق. { عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } ، [أي]: عن اعتدائهم في السبت، { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً } ، فصاروا قردة، { خَاسِئِينَ } ، [أي]: مبعدين. وذلك في زمن داود، (عليه السلام)، وهو قوله:{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ } [المائدة: 78]، صاروا قردة كلهم، ومسخوا في زمن عيسى (عليه السلام)، خنازير، فذلك قوله:{ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [المائدة: 78]. / قال ابن عباس: صار شباب القوم قردة، وشيوخهم خنازير. يقال: خَسَأْتُ الكلب: أبعدته وطردته. وقوله: { قُلْنَا لَهُمْ (كُونُواْ) }. جائز أن يكون أُمِرُوْا بذلك، فيكون أبلغ في الآية والقُدرة. وجائز أن يكون من قوله:{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40]. ثم قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }. روى الأصبهاني عن أصحابه عن ورشٍ: (تأذَّنَ)، بتسهيل الهمزة. والمعنى: واذكر، يا محمد، إذ أعْلَمَ رَبُّك. فمعنى { تَأَذَّنَ }: أَعْلَمَ والعرب تقول: " تعلم " بمعنى " أعلم ". وقال مجاهد { تَأَذَّنَ }: قال. وقال قتادة { تَأَذَّنَ رَبُّكَ }: أمر ربك. ومعنى: { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ }. أي: ليبعثن على اليهود { مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ، وهو قتلهم إن لم يؤدوا الجزية، وذلتهم إن ودوها. قال ابن عباس: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمته، إلى يوم القيامة. قال ابن المُسَيَّب: يستحب أن يبعث الأنباط في الجزية. { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ }. أي: لمن استوجب منهم العقوبة. { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }. أي: لساتر ذنوب من تاب، متعطف عليه.