قوله: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } ، إلى قوله: { خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }. قوله: { لِرَبِّهِمْ }. قال المبرد " اللاَّم " متعلقة بمصدر، والمعنى: { وَٱلَّذِينَ } وَهَبَتُهُمْ لِرَبِّهم. وقال الكوفيون: هي زائدة. وسمع الكسائي الفرزدق يقول: " نَقَدتُ لَهَا مِائةَ دِرْهِمٍ " ، بمعنى " نَقَدْتُهَا ". وحكى الأخفش: أن المعنى، والذين هم من أجل ربهم يرهبون. والمعنى: ولمّا سكن عن موسى (عليه السلام)، غَضَبُهُ. يقال: سَكَتَ سَكْتاً، إذا سَكَنَ، وسَكَتَ سُكُوتاً وسُكْتاً، إِذَا قَطَعَ الكَلاَمَ. { أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ }. أي: أخذها بعدما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب. وقيل المعنى: ولما سكت موسى، (عليه السلام)، عن الغضب، مثل: أدخلت القلنْسُوَةَ في رأسي. { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ }. أي: فيما كتب منها هدى ورحمة، { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } ، أي: يخافون الله، (عز وجل). وقيل المعنى: في الذي وجد فيها بعدما تَكَسَّرَتْ هدى ورحمة. وقال ابن كيسان: جُدِّدَت له في لوحين. ثم قال تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا }. قال السدي: أمر (عز وجل) موسى (عليه السلام)، أن يأتيه في ناس [من] بني إسرائيل، يعتذرون من عبادة العجل، فاختار منهم سبعين رجلاً، فلما أتوا ذلك المكان، قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فإنَّك قد كلمته. فَأَرِنَاه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى، (عليه السلام)، يبكي ويدعو ويقول: ربِّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم، وقد أهلكت خيارهم، ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيَّاي! قال ابن عباس: لما مضوا معه ليدعوا ربهم، عز وجل، كان فيما دعوا أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا، ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله، عز وجل، ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة. قال / الكلبي: قال السبعون لموسى (عليه السلام): يا موسى، إن لنا عليك حقاً، كنا أصحابك، ولم نختلف عليك، ولم نصنع الذي صنع قومنا، فأرنا الله جهرة كما رأيته. قال موسى (عليه السلام): لا والله ما رأيته، ولقد أردته على ذلك فأبى، وتجلى للجبل، فكان دكاً، وهو أشد مني، وخررت صعقاً، فلما أفقت سألت الله عز وجل، واعترفت بالخطيئة. فقالوا: فإنا لن نؤمنن لك حتى نرى الله جهرة. فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا من آخرهم. فظن موسى (عليه السلام) أنهم إنما احترقوا بخطيئة أصحاب العجل، فقال: { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } ، يعني أصحاب العجل، ثم بعثهم الله، (عز وجل)، من بعد موتهم. وروي عن علي أنه قال: انطلق موسى وهارون إلى صفح جبل فتوفى الله، (عز وجل) هَارُونَ. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: توفاه الله (عز وجل) قالوا: أنت قتلته، حسدتنا على خُلقه ولينِهِ، قال: فاختاروا من شئتم! فاختاروا سبعين رجلاً، فلما انتهوا إليه، قالوا: يا هارون، من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد، ولكن توفاني الله، (عز وجل)! قالوا: يا موسى لن تعصى بعد هذا اليوم (أبداً)، فأخذتهم الرجفة.