الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }

قوله: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ } ، الآية.

كان هارون أخا موسى (عليه السلام)، شقيقه، وإنما قال له: { ٱبْنَ أُمَّ } ، على طريق الاستعطاف بالرحم.

فمن قرأ يـ { ٱبْنَ أُمَّ } ، بالفتح، فالتقدير عند الكسائي، والفراء، وأبي عبيد: يا بن أماه، ثم حذف.

وهو عند البصريين يبنى كـ " خَمْسَةَ عَشَرَ ".

ومن كسر " الميم " ، فقال أبو حاتم، والأخفش: حذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وهي لغة لبعض العرب، يقولون: يا غُلاَمَ غُلاَمِ أَقْبِل.

وحكى الأخفش: هذا غُلاَمِ يا هذا، بغير ياء في غُلاَمِي.

وأحسن منه عند أهل النظر: أن يكون بناء الاسمين اسماً واحداً، ثم أضافه بعد ذلك.

وشبه أبو عمرو الفتح بقولهم: هُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ، ولقيته كِفَّةَ كِفَّةَ يا فتى.

ولا يفعل ما فعل في الأم والعم في غيرهما، لا يقال: يَابْنَ أَبِ ولا يَابْنَ أختِ، ولا شبهه، ولا يجوز الفتح إلا في الأم والعم، وذلك لكثرة الاستعمال.

وقرأ مجاهد، ومالك بن دينار: " فَلاَ تَشْمَتْ بِيَ الأَعْدَاءُ " ، بفتح " التاء " و " الميم " ، ورفع: " الأعداء " بفعلهم، وهو مثل قوله:فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [البقرة: 132]، أي: اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت. فالمعنى: فلا تشمت من أجلي الأعداء.

وحكى أبو عبيد عن حُمَيْد " تَشْمِتْ " ، بفتح " التاء " وكسر " الميم ". ولا وجه له؛ لأنه إنما يقال: " شَمِتَ " فإن سمع " شمت " بالفتح، فهي لغة من العرب، ولَمْ يَرُوْا ذلك.

ومعنى الآية: أن الله (تعالى) أعلم موسى (عليه السلام)، أنه قد فتن قومه، وأن / السامري قد أضلهم، فرجع موسى غضبان على قومه أسفاً عليهم.

و " الأسف ": شدة الغضب.

وقال أبو الدرداء: " الأسف " منزلة وراء الغضب، أشد منه.

وقال السدي: " { أَسِفاً }: حزيناً.

وكذلك قال الحسن، وابن عباس.

ومن هذا قولهم للعبد: " أَسيفٌ "؛ لأنه مقهور، وحزين مستعبد، وكذلك قيل للأجير: " أسِيفٌ ": لأنه مستخدم، ومخزون على استخدام الناس له.

قوله: { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ }.

أي: بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم، في عبادتكم العجل.

{ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ }.

أي: أسبقتم أمره؟ يقال: " عَجِلْتُ الرَّجُلَ ": سبقته، و " أَعْجَلْتُهُ ": استعجلته.

والفرق بين " العَجَلَة " و " السرعة " ، أن العجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة: عمله في أقل أوقاته.

{ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ }. أي: ألقاها غَضَباً على قومه.

ثم أخذ برأس أخيه يجره إليه غضباً. قاله ابن عباس.

[قال ابن عباس]: لما رجع موسى (عليه السلام)، إلى قومه، وصار قريباً منهم، سمع أصواتهم، فقال: إنني لأسمع أصوات قوم لاهين، فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل، ألقى الألواح فكسرها، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقال

السابقالتالي
2