الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ، الآية.

(ومعنى: { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } )، أي: أفهمه ما شاء من كلامه الذي ليس ككلام المخلوقين الذي [هو] حركات اللسان وظهور الأصوات، فكلامه، عز وجل، ليس ككلام الآدميين، إذ ليس كمثله شيء، ولا يشبهه شيء، وعلينا أن نقف حيث انتهى بنا العلم، ولا نُكَيّفُ وَنَحُدُّ، ونسلم الأمر لله، (عز وجل)، ونقول كما قال، ولا نشبه؛ لأنه، تعالى، قد نفى التشبيه [كله] بقوله:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11].

ومن لم يمد { دَكّاً } ، جعله مصدر دَكَكْتَهُ: إذا كسَّرته وفتته. ومعناه: جعله مُفَتَتاً كالتراب والمَدَر. وشاهده قوله:[إِذَا] دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } [الفجر: 21]،

وقوله:فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [الحاقة: 14]، فتقديره: جعله مدكوكاً، ثم أقام المصدر مقام اسم المفعول.

وقيل: إن قوله: { جَعَلَهُ دَكّاً } ، مثل: دُكَّه دُكَاً، فهو مصدر قد عمل فيه فعل من غير لفظه، فهو محمول على المعنى.

ومن مد { دَكّاً } ، فمعناه: جعله " مِثْل دَكَّاء " ، ثم حذف مثل، (وأجراه مُجْرى):وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]. وهو قول الأخفش.

وقال قطرب المعنى: جعله أرضاً دكاء، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف مثل:وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [البقرة: 83].

وقال الفراء: { دَكّاً } و { دَكّاً } مثل: " البَأْس " [والبَأْسَاء]، كأنه جعله بمعنى واحد.

ومعنى الآية: قال الربيع في قوله، تعالى:وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم: 52]، حدثني بعض من لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قُرَّبه الرب، تعالى، إليه حتى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ، فقال عند ذلك من الشوق: { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي }.

قال السدي: لما كلمه، أحب أن ينظر إليه، فقال له: { لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } ، فَحَفَّ الله حول الجبل ملائكته، وحَفَّ حول الملائكة بنار، وحَفَّ حول النار بملائكة، وحَفَّ حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربه للجبل.

وقال أبو بكر الهذلي: تخلف موسى بعد الثلاثين حتى سمع كلام الله، سبحانه، اشتاق إلى النظر إليه فقال: { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي } ، (أي): ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إلي في الدنيا؛ فإن من نظر إليّ مات، قال: إلهي، سمعت كلامك، واشتقت إلى النظر إليك، ولأَن أنظر إليك ثم أموت، أحبّ إلي من أن أعيش ولا أراك: قال: فانظر { إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي }.

قال مجاهد: يعني أنه أكبر منك، وأشد خلقاً، فنظر موسى، (عليه السلام)، إلى الجبل لا يتمالك [و] أقبل يَنْدَكُّ على أوله. فلما رأى موسى (عليه السلام) ما يصنع الجبل، خَرَّ صَعِقاً.

وقال الحسن: لما كلمه ربه دخل قَلْبَ موسى، صلى الله عليه وسلم، من السرور من كلام الله (عز وجل)، ما لم يصل إلى قلبه مثله قط.

السابقالتالي
2