قوله: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } ، إلى قوله: { لَفَاسِقِينَ }. والمعنى: تلك القرى، يا محمد، نقص عليك من أخبارها، وهو ما تقدم ذكره: من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب، لتعلم أنا ننصر رسلنا. ثم قال (الله) تعالى: { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ }. أي: ولقد جاءت أهل القرى رسلهم، بالحجج [البينات]. وقوله: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ }. أي: فما كان هؤلاء المشركون الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم، { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، أي: بما كذبوا يوم أخذ عليهم الميثاق حين أخرجهم من ظهر آدم، (عليه السلام). قال مجاهد: المعنى: ليس يؤمنوا، { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، أي: من قبل هلاكهم، أي: لو رُدُّوا إلى الدُّنيا بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا من قبل هلاكهم، مثل:{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]. وقال الربيع بن أنس: كان في علمه (عز وجل) يوم أقروا بالميثاق أنهم لا يؤمنون. وقال السدي: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً، فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة. وقوله: { كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ }. أي: كما طبعنا على قلوب هؤلاء الذين أهلكوا ولم يؤمنوا، كذلك نطبع على قلوب المعتدين من أمتك يا محمد، أي: نختم عليها فلا يؤمنوا لما تقدم في عمله منهم. وهذا إخبار [من] الله (تعالى) لنبيه (عليه السلام) عن قوم من أمته [أنهم] لا يؤمنون أبداً، كما قال لنوح (عليه السلام):{ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [هود: 36]، وكما قال لمحمد صلى الله عليه وسلم،:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 6]. ثم قال تعالى: { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ }. أي: ما وجدنا لهؤلاء المهلكين " عهداً " ، أي: وفاء بما وصيناهم به، وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين. مذهب الفراء: أنَّ { إِنْ } بمعنى: " ما " ، و " اللام " بمعنى إلا. ومذهب سيبويه أنها " إنْ " المخففة [من الثقيلة)، ودخلت " اللام " لئلا تشتبه " إِنْ " التي بمعنى: ما. وقال بعض البصريين: دخلت " إنْ " و " اللام " على معنى التأكيد واليمين. وتدخل " إِنْ " هذه على الأفعال أيضاً، [تقول]: إِنْ ظَنَنْتُ زيداً لقائماً. ومعنى { لَفَاسِقِينَ } ،: خارجين عن طاعة الله. وقيل: العهد الذي لم يَفُوْا به، هو ما أخذ عليهم إِذْ أُخرجوا من ظهر آدم.