الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }

قوله: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } الآية.

المعنى: قد وُكس فيه بيعه من باع الإيمان بالكفر. وقيل: المعنى: " قد خسروا أعمالهم وثوابها ".

ومعنى لقاء الله هنا: أنه البعث والنشور اللذان عندهما يكون لقاء الله والمصير إليه.

ويجوز أن يكون معناه: كذبوا بلقاء ثوابه وعقابه - (وقد قيل) في قوله تعالى:فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } [السجدة: 23] أي: في شك من لقاء موسى ربَّه وتكليمهِ له -، ولا يكون اللقاء في هذه الآية النظرَ إلى الله جل ذكره، لأنهم لم يؤمنوا بالبعث، فضلاً عن النظر إليه، وإذا لم يؤمنوا بالبعث، فأحرى ألا يؤمنوا بالنظر، لأن البعث يؤدي إلى النظر إلى الله تعالى ذكره، يَرَاه المؤمنون يوم القيامة.

وقد يكون اللقاء بمعنى القرب والنظر في غير هذا.

ويكون اللقاء بمعنى السبب الذي يؤدي إلى اللقاء، مثل هذه الآية، ومنه قولهم: " اللهم بارك لنا في لقائك " ، يراد به: بارك لنا في الموت الذي يؤدي إلى البعث الذي فيه لقاؤك، وقال الله:مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ } [العنكبوت: 5] أي: يخاف الموت.

و { بَغْتَةً } نصب على الحال، وهو مصدر في موضع الحال عند سيبويه، ولا يقاس عليه غيره.

قوله: { يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا }: هذا (حين) يرى أهل النار منازلهم من الجنة لو عملوا بعمل أهل الجنة، فيندمون على التفريط / في الدنيا، فيقولون: { يٰحَسْرَتَنَا } أي: تعال يا حسرة، فهذا وقتُك وإِبّانُكِ.

والهاء في (فيها) عائدة على الصفقة، وهي التي ذكرت قبل في قوله: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } أي: خسروا ببيعهم الايمان بالضلالة، ومنازلهم في الجنة بمنازلهم في النار، فإذا جاءتهم الساعة، تبين لهم خسران بيعهم، وندموا صفقتهم فقالوا: { يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } أي: في الصفقة؟

ويجوز أن تعود الهاء علىٱلدُّنْيَا } [الأنعام: 29]، لأن فيها كان تفريطهم.

وقوله: { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } أي: " آثامهم وذنوبهم ". وخص " الظهر " ، لأن الحمل قد يكون على غيره.

وروي عن عمرو بن القيس المُلائي أن المؤمن إذا خرج من قبره، استقبله أحسن شيء صورة، وأطيبُه ريحاً، فيقول: هل تعرفني؟، فيقول: لا، إلا أن الله قد طيّب ريحك وحسّن صورتك. فيقول: كذلك كنت في الدنيا، أنا عملك الصالح، طال ما ركبتك في الدنيا، فاركبني، أنت اليوم، وتلايَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [مريم: 85].

(وإن) الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً، فيقول: هل تعرفني؟. فيقول: لا، إلا أن الله قد قبح صورتك ونتن ريحك. فيقول: كذا كنت في الدنيا، أنا عملك السيء طال ما ركبتني في الدنيا، فأنا اليوم أركبك.

السابقالتالي
2