الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }

قوله: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } الآية.

المعنى: أن الله خلق آدم من طين، فخوطب الخلق بذلك، لأنهم ولده، وهو أصل لهم، قال قتادة ومجاهد والسدي. قال ابن زيد: خلق آدم من طين، ثم خُلقنا من آدم حين أخرجنا من ظهره.

وقيل: المعنى: أن النطفة من طين، لكن قَلَبهَا الله تعالى ذكره حتى كان الإنسان منها.

وقوله: { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ }.

الأجل الأول: أجل الإنسان من حيث يخرج إلى الدنيا إلى أن يموت، والأجل الثاني: هو ما بين وقت موته إلى أن يُبعث، قاله قتادة والضحاك والحسن. وقال ابن جبير: الأول الدنيا، والثاني الآخرة. وكذلك قال مجاهد. وقال عكرمة: الأول: الموت، والثاني: الآخرة، كالقول الأول، وكذلك قال ابن عباس، وقاله السدي.

و { ثُمَّ } - على هذه الأقوال كلها - يراد بها التقديم للخبر الثاني على الأول.

كما قال الشاعر:
قُل لِمَنْ ساد ثمَّ ساد أَبوهُ   ثُمَّ قَدْ سادَ بَعْدَ ذَلَكَ جَدُّه
فالجد سابق للأب، والأب سابق للمدوح.

وقد قيل: الأول قبض الروح في النوم، والثاني قبض الروح عند الموت، روي ذلك عن ابن عباس أيضاً. وقيل: معنى ذلك أن الأول هو ما أعلمنا (أَلاَّ نبَيَّ) بعد محمد صلى الله عليه وسلم، والآخر هو القيامة. وقيل: الأول ما نعرفه من الأهِلّة وأوقات الزروع ونحو ذلك، والأجل الثاني: موت الإنسان متى يكون. ومعنى { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } لم يرد أنه قضى الأجل خلق آدم، بل الأجل قَضاهُ قبل خلق المخلوقات كلها، ولكن الكلام محمول على الخبر من الله جل ذكره لنا، كأنه قال: أخبركم أن الله خلقكم من طين، يعني آدم، ثم أخبركم أن الله قضى أجلاً قبل خلقه لآدم، فـ (ثم) إنما دخلت لنسق الخبر الثاني على الأول، لا لوقت الفعلين.

وقوله: { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } معناه: تشكون (في من) خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، وقضى أجل الموت وأجل الساعة، إنه إلٰه واحد قادر، لا عديل له ولا شبيه.

وقوله: { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } وقف حسن عند نافع وغيره من النحويين.