الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }

قوله: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } الآية.

والمعنى: فذلكم الذي ذكرت صفته هو الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء.

وقد تعلق القائلون بخلق القرآن بقوله: { خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ، قالوا: القرآن شيء، فهو داخل تحت الخلق. وقد جرت هذه المسألة بين عبد العزيز بن يحيى المكي وبين بشر ابن غياث المريسي القدري بحضرة المأمون، اختصرت الحكاية لطولها:

قال عبد العزيز: قلت لبشر: ما حجتك في خلق القرآن؟، وانظر: إلى أَحدّ سهمٍ في كنانتك فَاْرمِنِي به. قال: فقال لي بشر: تقول: إن القرآن شيء أم غير شيء؟. (قال عبد العزيز): فقلت له إن كنتَ تريد أنَّه شيء إثباتاً للوجود ونفياً للعدم، فَنَعَم هو شيء، وإن كنت تريد أن الشيء اسم لذاته وأنه كالأشياء فلا. قال له بشر: قد أَقْرَرْتَ أنه شيء وادّعيتَ أنه لا كالأشياء، فأت بنصٍ على ما زَعَمتَ. قال عبد العزيز: فقلت: قال الله تعالى:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40]، فبِقولِه تكون الأشياء، وليس هو كهي. وإنما تكون الأشياء بقوله وأمْرِه. فقولُه خارج عن الأشياء المخلوقة، ألا ترى الى قوله:أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54]، فجمع في لفظة " الخلق " جميع المخلوقات، ثم قال: { وَٱلأَمْرُ } يريد الذي كانت به هذه المخلوقات كلها. والأمر غير المخلوقات، وهو قوله:كُنْ } [النحل: 40]. وقال (الله) تعالى:لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [الروم: 4] أي: من قبل الخلق ومن بعد الخلق. وقد أخبر عن الأشياء المخلوقات في غير موضع من كتابه، وأنه خلقها بأمره وقوله، فقال تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } [الأنعام: 73]، وقال:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ [وَمَا بَيْنَهُمَآ] إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الحجر: 85، الأحقاف: 3]، والحقُّ هو كلامُه. فأمُره، كلامُه، وكلامُه: أمرُه، وأمرُه: الحقُّ، والحقُّ: أمرُه، وكلامُه: الحقُّ، والحقُّ: كلامُه.

فهذا يدل على أن كلامه لا كالأشياء المخلوقة، لأنها به كانت (وحَدَثَت). وأما ما يدل على أنه " شيء " فقوله:إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ } [الأنعام: 93]، فدل على أن الوحي شيء، ودل ما تَقدَّم على أنه لا كالأشياء.

قال بشر: قد زعمت أن الله يخلق الأشياء، وادّعيتَ أنَّها تكون بقوله، وأنَّها تكون بالحق، وأنَّها تكون بأمره، وهذا متناقض.

قال عبد العزيز: إِنّ قولَه هو كلامُه، وقولَه هو الحقُّ، وأمرَه هو كلامُه: فالألفاظ الثلاثة ترجع إلى معنى واحد، / كما سمى كلامه: نوراً وهدىً وشفاءً ورحمةً و { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } ، وكله يرجع إلى شيء واحد، [كذلك ذاك. وكما سمى نفسه: فرداً صمداً واحداً]، وهو شيء واحد لا كالأشياء. وهذا إنّما منعه بِشْر لجِهلِه بِلُغةِ العرب.

قال بشر: (لَستُ) أَقْبَلُ لغةَ العرب، ولا أَقَبل إلا النص.

السابقالتالي
2 3